التسميات

19 مايو 2009

معابد المستهلكين



* محمد الحكيمي 
لعل آخر ما يتبادر إلى الذهن عن وظيفة مراكز التسوق التجارية، هو أنها أفضل طريقة للسيطرة على الناس من خلال وضعهم تحت قبة وخلف أبواب مغلقة. بيد أن الوظيفة الحقيقية هي أنها تجعل الجميع تحت سيطرة السلع.
بالنسبة لصنعاء ، تبدو مجمعات السوق أشبه بنسخة عصرية حديثة من أسواق صنعاء القديمة، أو من سوق الملح بالتحديد. غير أن هذا الأمر يأتي في السياق التاريخي صائباً أكثر من حضوره على أرض الواقع، فـبمجرد النظر يكتشف المرء أن البون شاسع.
لقد اتسعت صنعاء اليوم، وأفرزت مع اتساعها أنماطاً جديدة من ضروريات الحياة اليومية للناس، والتي كانت منذ نشوئها نوعاً من الترف المقتصر على شريحة خاصة من السكان، لكن الواقع تغير للغاية، فأدوات الترف صارت اليوم للجميع ضرورة فوق العادة.
أهم تلك الأمور تأتي مراكز التسوق ومجمعاتها، أو ما يسميه المتسوقون "المولات". كانت هذه المولات تعكس بالنسبة لسكان صنعاء قبل عقدين من الزمان نمطاً من أنماط الثقافة الغربية، فالجميع في صنعاء لم يكن يتصور أن أسواق السلع ستصبح متاجر متراصة تحت سقف واحد تتعدد فيه كل أنواع السلع والبضائع على اختلاف أنواعها وأحجامها.
لكن الثقافة التي فرضتها مراكز التسوق ومجمعاتها على السكان، شكلت للجميع سبر أفكار جديدة وقيم مجتمعية لم يعتدها المتسوقون، المرأة مثلاً لم تكن تحظى بخصوصية تامة للتجول في مكان مغلق تم تخصيصه لكل مستلزمات المرأة، لتختار متطلباتها بعناية، ودون أن تكون تحت وصاية الرجل الذي لم يعد من الضروري مرافقته لها في كل عملية تسوق. ولعل الجدير هنا أن هذه المراكز أفرزت للمجتمع نوعاً جديداً من الحرية، أو لنقل حرية الشراء دون وصاية وتحديدا النساء. فالثابت في أعراف مدينة صنعاء قديماً كان يمنع النساء من التجول بحرية للتسوق وشراء ضروريات الحياة، غير أن الأمر انقلب رأساً على عقب، فمعظم مراكز التسوق في صنعاء ترصد معدلات الشراء الخاصة بالنساء بمقدار يفوق ثلاثة أضعاف عن الرجال حين يتعلق الأمر بالتبضع، ومعظم المتاجر تتحدث الآن عن قوة حضور النساء اللواتي يتسوقن من أجل شراء مستلزمات الرجال، في حين أن الأمر يبدو ضعيفاً للغاية إذا ما تم الحديث عن العكس.
لنأخذ أحد تلك النماذج العصرية المؤثرة في الحياة اليومية لمدينة صنعاء. مركز صنعاء التجاري مثلاً شكل منذ إنشائه علامة فارقة في حياة سكان العاصمة، لقد منح هذا المجمع ثقافة جديدة أفضت في البداية بظهور شريحة خاصة من المتبضعين الذين يقيمون في صنعاء. كان معظم هؤلاء المتسوقين ينتمون لأسر الدبلوماسيين العرب والأجانب أو الموظفين (غير اليمنيين) العاملين في شركات أجنبية عاملة في البلاد، غير أن الأمر أفضى الآن بجيل من المتسوقين اليمنيين والذين يمكن وصفهم بـ"المتسوقين الجدد"، فهم يشكلون شريحة من الناس الذين لهم ذائقة أرقى من العامة، فهم يعون تماماً مسألة اقتناء ماركات فخمة، ويحبون التسوق كونه يمنحهم الارتياح الذي يجدونه نتيجة انتقاء أدواتهم ومتطلباتهم بعناية. إن مجمعات السوق غالباً ما تمنحك كل ما تريده بخصوصية فريدة، فبإمكانك مثلاً الحصول على نوع من الترفيه، إلى جانب أكل أصناف معينة من الوجبات الخفيفة وأنواع من الحلويات وحتى الآيسكريم أثناء قيامك بالتسوق في أحد مجمعات السوق، فضلاً عن أنها تتيح لمرتاديها إمكانية الحصول على ماركات العالم المختلفة من الملابس، الأحذية، الساعات، العطور، المجوهرات، الحلويات، والأجهزة الالكترونية المتنوعة.
يقول فواز الشرعبي -مسؤول التسويق في أحد متاجر "مام" الشهيرة في مركز صنعاء التجاري ومركز يمن مول: "إن المراكز التجارية الحديثة خلقت نوعاً من الثقافة الجديدة، فالزبائن في هذه المراكز هم الأرقى من ناحية الذوق كونهم حريصين على أن يلبسوا جيداً، ويحفظون أسماء ماركات السلع العالمية لدرجة أن عدداً منهم يتسوقون بطريقة الكترونية عبر بطائق الفيزا كارد، ويدركون أشياء كثيرة عكس الزبون التقليدي".
لعل زيارة واحدة لأحد مجمعات السوق في العاصمة صنعاء كفيلة بأن تمنحك فكرة وافية عن شريحة واسعة من المشترين، وهي الشريحة الأعلى إنفاقاً على الإطلاق في المدينة. وبمجرد التجول داخل أحد معارض الألبسة الرجالية قد يندهش المرء لمجرد أن يجد أن ثمن بدلة واحدة يحرص على شراء ماركتها عدد كبير من المتسوقين في هذه المتاجر، يصل إلى 800 دولار أمريكي. وهو رقم كبير للغاية بالنسبة لمعظم اليمنيين، غير أن هنالك من يدفع ثمنها دون أي اكتراث.
لعل هذا الأمر يكشف عن فورة شراء غير متوقعة. المدهش أن هؤلاء الزبائن لا ينتمون فقط لطبقة خاصة من المجتمع، فهنالك حضور ليس بالقليل لأولئك المنتمين إلى الطبقة المتوسطة في صنعاء، وهم موظفو القطاع الخاص وملاك محال وأعمال صغيرة في العاصمة. ويبدو أن معظم المتسوقين هم من الذين انفتحوا على العالم من خلال تعليمهم أو حتى من خلال سفرهم الدائم خارج البلاد، ذلك أن القناعة الراسخة تنم عن ثقافة لم تنشأ من التأثر بالداخل بقدر تأثرها بالخارج، وهو الأمر الذي يقود إلى أحد إفرازات التطور لدى أجيال صنعاء الجديدة. هذه المجمعات منحت المجتمع خصائص غير مسبوقة، أسهمت هذه الخصائص ببروز فكر جديد في صنعاء، هذا الفكر يبدأ من انفتاح الناس على العالم، وينتهي ببروز قوة شرائية فوق العادة.
وبالعودة لإعجاب الناس غير العادي بمجمعات السوق، نجد أن الجميع يحبذون فكرة التسوق على هذا النحو، ربما لأن هذه المجمعات تمنح متسوقيها الراحة والترفيه وأخذ وقت كافٍ من الخصوصية مع عائلاتهم، كونها تمنح الطفل والمرأة والرجل اهتماما خاصا كلاً على حدة. ولعل ما هو جدير أيضاً ما يراه المهندس علاء كامل -أحد المتسوقين الشرهين في هذه المجمعات، يقول علاء: "أشعر بأنني دخلت في بلد أجنبي عندما أدخل أحد هذه المراكز".
لقد قلصت هذه المجمعات المسافة ما بين طبقات المشترين من خلال درجات البيع فيها، وفي العاصمة صنعاء هنالك أكثر من 20 مركزاً أو مجمعاً من مجمعات السوق التي اعتمدت مواصفات على منوال أجنبي، فهي تختلف باختلاف تخصصاتها وخدماتها، غير أنها تتفق في منهجية الفكر الذي يسير على سكة واحدة في التبضع. لكن هذه المجمعات تتفاوت في ما يخص درجة التصنيف، فيأتي مثلاً مركز صنعاء التجاري في الصدارة، وهو مركز فخم للتسوق، تعود ملكيته للشركة اليمنية الليبية القابضة، ويصنف من الدرجة الأولى من حيث اعتماده للمواصفات الدولية التي راعت عددا من الاعتبارات التي لا توجد في السوق اليمنية، وهو يضم أفخم ماركات وسلع العالم من الملابس، الأحذية، العطور، الساعات، المجوهرات، البصريات، الشوكولاته، الهدايا، والتحف، وينظم باستمرار عددا من العروض الشهرية التي تمنح جوائز غير مألوفة بالعادة. ويأتي في الدرجة الثانية مجمع يمن مول، وهو مجمع أنيق تابع لمجموعة شركات جابر الرحبي (أحد كبار المستثمرين في صنعاء). ثم تأتي عدد من المراكز التجارية التي تضم تحت أسقفها أصنافا من السلع التي تختلف من حيث التخصص، فهنالك مراكز تضم كل شيء مثل (مركز صنعاء ويمن مول)، أما بقية المجمعات فتضم سلعاً من أنواع متعددة لعائلة واحدة، منها مراكز أغذية (شميلة هاري، سيتي مارت، الجندول، الهدى، هابي لاند، وغيرها)، ومنها تضم ما يخص الألبسة فقط (سيتي ماكس، العزاني، الحمراء مول، الكميم، وغيرها). وتأتي البقية متفرقة على باقي أنواع السلع كالمفروشات والالكترونيات وغيرها.
لعل الفكرة التي يمكن التقاطها من مفهوم التسوق الذي عرفته صنعاء القديمة من سوق الملح، هو أن مجمعات التسوق الحديثة في صنعاء لا تزيد عن كونها نسخة جديدة وعصرية أكثر راحة مما كان موجودا لدى المدينة القديمة. فالمدينة عرفت التسوق، ولطالما اشتهرت بالأسواق منذ القدم. غير أن هذه المجمعات العصرية تمنح المجتمع المحلي المحافظ طابعاً يخصه من العالمية، وصورة جديدة تتيح للزائر الشعور بنموذج ديمقراطي يختلف عن صورة أسواق الأصل.
يبقى فارق التسوق بين زمنين هو أن الجميع كان يبتل في ما مضى، بيد أنه اليوم يبقى جافاً حين تمطر.

11 مايو 2009

قصة المشروع الذي أفسدته شركة " الرحاب"


* محمد الحكيمي
هذه المرة .. الفساد ينتصر مرتين. وفي قصة مشروع طريق ( ذمار – الحسينية ) يبرز الفساد بصورة استثنائية مهيمنة طيلة سبع سنوات ، في حكاية طريق بدأ العمل فيه مطلع العام 2005 كي يتم انجازه في 2007 ، وبحلول العام 2009 سنكتشف أن المرحلة الأولى منه لم تجهز بعد، والنتيجة: اختصار طريق المشروع من مسافة 220 كيلو متر إلى 105 كم ، من قبل الشركة المنفذة له ،ويتم تعويضها مرتين أيضاً.