التسميات

19 أغسطس 2010

أزمــة حـارس الـريال

حارس الريال : بن همام محافظ البنك المركزي اليمني
الصورة: رويترز.
* محمد الحكيمي

في يونيو العام الفائت ؛ بدت الحكومة اليمنية غير مكترثة تماماً ؛ لذلك التحذير الذي أعلنه صندوق النقد والبنك الدولي حول الوضع النقدي الذي يؤشر بالخطر.
كان ذلك التحذير يأتي في اللحظة التي انخفض فيها الاحتياطي النقدي مليار وثلاثمائة مليون دولار خلال عام واحد فقط.وبعد ذلك بأيام أعلن البنك المركزي اليمني بنوع من المكابرة ؛ عن ارتفاع احتياطاته النقدية من 6.3 مليارات دولار ؛ إلى 7.3 مليارات دولار.
ماذا لو أننا صدقنا حكاية البنك هذه : بأن مبلغاً بقيمة مليار دولار جرى ضخة لاحتياطتنا النقدية في عملية انقاذ لم يفصح فيها عن مصدر هذا الارتفاع الذي حدث فجأة ؛ غير أن ما حدث خلال الاشهر الثلاثة الماضية يبين أن البنك المركزي كان يقدم لنا معلومات مضللة. وهذه كارثة.
حتى اليوم لم يتغير الكثير ، بل صار ما هو أسؤ. لقد انخفض الاحتياطي النقدي مبلغ 1.4 مليار دولار ، وكل ما في البنك المركزي الآن هو 5.9 مليار دولارفقط.

ومع ذلك يبدو محافظ البنك المركزي اليمني محمد عوض بن همام ؛ مسترخياً في السير على نفس الخطى التي سار بها سابقه أحمد السماوي ؛ برغم فشل الأخير؛ وعدم قدرته على إيقاف تدهورسعر الريال أمام الدولار؛ وهي سياسة متفردة ؛ تبدو وكأنها تعتمد على التخمين أكثر ؛ في كل تبريراتها أثناء الازمات.
هنالك من يرى أنه من المنطقي إلقاء اللوم كله على سوء الادارة لدى بن همام والسماوي معاً. لكن الحكومة ايضاً تتحمل كافة أسباب الاخفاق ؛ فهي المتسبب الأول بحدوث هذا الانهيار المخيف للعملة الوطنية كونها تتعامل مع الأزمة الحالية كمن يجرب حظه في لعبة شطرنج. 

وبالنظر للخلف.. سنجد أن الحكومات السابقة ؛ لم تقم بحلول سحرية من أجل حماية العملة الوطنية ؛ ولم تكن تلك الحكومة أكثر نزاهة ومصداقية من الحكومة الحالية ؛ لكنها استطاعت الدفاع عن الريال ؛ من خلال سيطرتها النسبية على سعر الصرف مقابل الدولار ؛ اذا ما احتسبنا الأمر لثلاث حكومات سبقت الحالية.

المشكلة .. أن من يديرون زمام الأمور لم يقتنعوا بعد بأن السياسة النقدية التي ما يزال ينتهجها البنك المركزي هي التي قادت الريال لأدنى مستوياته ؛ كونها أضحت متفردة لصالح قيادة البنك المركزي ؛ وسبب المشكلة هو قانون البنك المركزي اليمني الذي يخول لقيادة البنك استقلالية تامة في رسم السياسة النقدية ؛ وهو أمر يدفع باحتمالات عدة لوقوع الخلل بشكل دائم.
تصورا أن الحكومة حتى اليوم لم تقرر إنشاء مجلساً أعلى للنقد كبقية دول العالم؛ ليقوم برسم السياسة النقديه بحذر ؛ وربما لم يتضح للحكومة بعد ؛ أن السياسة النقدية تعد أمناً قومياً للبلاد.
لندع أمر أولويات الحكومة جانباً ؛ ولننظرالى طريقة احتواء نزيف الريال الذي ما يزال مستأنفاً مسيرة التدهور منذ مطلع العام الحالي؛ وهو ما يعني أن محافظ البنك (بن همام) سيظل منشغلاً بحروبه الصغيرة مع الصيارفة في السوق السوداء ؛ لكنه في الوقت ذاته لن يتخلى عن التخمين في كل مرة يتهاوى فيها الريال.
أنظروا إلى طريقة تفكير المحافظ الذي شغل منصب نائب رئيس البنك المركزي طوال السنوات الماضية ؛ لقد إكتفى الرجل باللوم كله على شهر رمضان ؛ قال بن همام أن تراجع سعر صرف الريال مقابل الدولار يعود لزيادة مدفوعات استيراد مستلزمات شهر رمضان المبارك وعيد الفطر من السلع والمنتجات المختلفة.
ماذا لو قلنا بأن الرجل كان يتحدث حينها وفق رؤيته الشخصية للأمر ؛ أكثر من كونه حديث للمسئول الأول عن حماية العملة الوطنية . فليس من المعقول أن يتم تبرير الكارثة بشهر رمضان؛ ولو أقتنع الجميع بذلك ؛ فسيتعين عليهم أن يتقبلوا فكرة انهيار العملة في كل سنة يهل فيها هذا الشهر.
ويبدو الأرجح أن بن همام بدى كمن لديه تحسساً ما من المواسم الدينية؛ فالرجل وطبقاً لتصريحه قبل اسبوعين كان أشبه بمن يحاول التحذير من مغبة أي مناسبة دينية قادمة ؛ قال بن همام :" هناك مواسم معينة في السنة مثل قدوم الأعياد الدينية يزيد فيها الطلب على السلع وبالتالي زيادة فاتورة الاستيراد وهو ما ينجم عنه ضغوط على أسعار الصرف".
لننسى أمر حساسية الرجل من المناسبات التي يصعب تغييرها بقرار سياسي ؛ ولننظر الى ما هو مصدر احباط تام ؛ فالمعالجات التي يقوم بها البنك المركزي اليمني ؛ أشبه بحقنة تخدير مؤقتة ؛ سرعان ما يكتشف أنها ليست مجدية على الاطلاق ؛ وأنها لن توقف مسيرة التدهور.فليس من الممكن أن تنجح المبالغ المالية القليلة التي يضخها البنك لاحتواء الأمر في جلب الإستقرار النقدي. ويبدو أن المحافظ لم ينتبه بعد الى أن أكثر المستفيدين من هذا الاحتواء هم كبار الصيارفة الذين لا يكترثون لأي لغة تهديد أجوف. فالكثير منهم يدرك ضعف الرقابة على شركات الصرافة المحلية.كما أن المحافظ لن يقوى على القيام مثلاً باغلاق الشركات التي تمارس المضاربة بالعملة الصعبة. لأن البنك المركزي نفسه ضالع في عملية المضاربة.
طبقاً لمختصين ؛ يبنبغي على محافظ البنك المركزي تغيير سياساته الحالية التي أهانت قيمة العملة الوطنية ؛ فالمدة التي لجأت فيها الحكومة لإصدار أذون الخزانة منذ العام 1998؛ طالت أكثر مما يجب ؛ ذلك أن الغرض من استخدامها كان كأداة فقط للتحكم بالمعروض النقدي في برنامج الاستقرارالنقدي، ضمن مصفوفة الإصلاحات المالية والإدارية التي اتفقت عليها الحكومة مع صندوق النقد والبنك الدولي آنذاك.لكن الكارثة تكمن في كون أذون الخزانة ما تزال مستمرة حتى الآن ؛ الأمر الذي قادها لأن تشكل تشوهاً في النظام البنكي التجاري، ونتيجة لارتفاع فوائد هذه الأذون ؛ لجأت البنوك إلى استثمار ودائعها فيها، بدلاً من إقراضها للجمهور، ؛ حتى أضحت قرابة 60% من ودائع البنوك التجارية وحوالي 80% من أرباحها معتمدة بشكل تام على أذون الخزانة . الأمر الذي كلف الخزينة العامة للدولة مبلغ 400 مليون دولار في العام 2008 فقط.
ولعل الأجدر بالبنك عدم رفع سعر الفائدة الى نسبة الـ20%؛ كون رفع سعر الفائدة من10 % الى 15 ومن ثم 20 ؛ أفقد الثقة في الريال.
يبدو ما هو مقلق فعلاً ؛ هو ذلك الأمر الذي لمح إليه الرئيس علي عبدالله صالح في إحدى خطاباته مطلع اغسطس الجاري ؛ حين كشف عن وجود "يد خفية" تتلاعب بمستويات العملة اليمنية، في وقت لا يزال فيه الريال يشهد تقلبات مقابل الدولار.
قال الرئيس صالح يومها: "إن هذه الأيدي لها طموحات غير معروفة وأجندات في هذه البلاد، بغض النظر عما إذا كانت مصارف أو مكاتب صيرفة".وإن أي شخص يلقى القبض عليه وهو يتلاعب بأسعار العملات ستتم محاكمته، طبقاً لما قاله الرئيس.
يبقى الأمر كله اليوم بين يدي المحافظ بن همام ؛ و لاشيئ مؤكد حتى الآن عن النتائج التي توصل اليها البنك ؛ أكانت جهوداً في سبيل تحرير الريال من قبضة تلك الأيدي الخفية التي تتلاعب بالعملة. أو صنع فارق جاد تضمن فيه البلد الحفاظ على قيمة ممكنة لعملتها الوطنية وليس أقل من ذلك.



هناك تعليقان (2):

  1. مجرد اسئلة
    هل اتخاذ القرارات المهمة فى الدولة اليمينة يتم عن طريق دراسات علمية ومراكز بحوث اماجتهادات شخصية ورؤية للوعيم او احد اذرعة الزعيم؟
    هل البرلمان ايمنى له قيمة حقيقية فى اتخاذا القرارت والزام الحكومة بها ؟
    هل السلطة الحقيقية بيد الحكومة التى لها اسس دستورية تعمل من خلالها ومن ثم تحاسب من قبل البرلمان وتصحح الاخطاء ؟
    هل الاغلبية البرلمانية لحزب المؤتمر تعمل من من اجل مصلحةالمواطن ام مصالح اخرى ؟
    هل هذا البلد الذى يستحق شعبه الطيب الى درجة من العبط وبها فاقة الى درجة العوز فيه دولة مؤسسات ام دولة مومسات تطبل باسم الوطنية وتذبح الوطن ؟
    هل هناك كتاب يمنيون وصحافيون يعارضون من اجل المصلحة الوطنية ام من اجل المنفعة الشخصية فلا يرتفع لهم نقد الا فى حالة منفعة ؟
    استاذى الكريم
    اشعر بالالم والحزن فى الاوضاع فى الوطن ورغم ان ينالنى منها الكثير الا ان عندى القدرة على المقاومة الاقتصادية واتالم لاولئك الذين يتسولون من الجمعيات الخيرية مثل جمعية الصالح التى لم نسمع قط عن رئيس يحو لشعبه الى متسولين ويتمنن عليهم يما ل ارضهم .

    وشكرا

    ردحذف
  2. أشكر كثيراً من طرح هذه التساؤلات الجديرة ..
    ولعل الأجابة عنها تشكل سبب الأزمة التي تعيشها البلد حتى اليوم. كون الاجابة ستكون بمثابة خارطة الطريق الذي يتمناه اليمنييون.
    فقط..باستثناء سأجيب على سؤال واحد من بين ما طرحه السائل الغير معروف..كونه يخصني كصحفي :
    نعم ..هناك صحفيون في اليمن يعارضون من أجل المصلحة الوطنية ويدفعون ثمناً فادحاً للغاية بسبب ذلك.
    وهناك ايضاً..صحفيون يعارضون لأجل المنفعة الشخصية ولا تعلو أصواتهم إلا في حالة منفعة متوخاة.
    وهناك من يفضلون الصمت برغم رفضهم لما هو قائم ، خوفاً من الأذية وحسب..وهناك الكثير والكثير.
    شخصياً.. لا أكتب إلا وفق رؤيتي الشخصية لصواب الأمور من خطأئها بعد الاتكاء على مصدر الحقيقة في الشأن الذي خضت فيه..وهي قناعة في المقام الأول.
    بالنسبة لي ..الكتابة أمانة ..وعمل الصحافي أشبه ما يكون تماماً كدور (حنفية الماء) التي تحبس الكمية المتدفقة من المياه التي يراد ضخها..كي يحصل الناس في النهاية على المياه النقية التي يتعاطونها وهم مقتنعين بأن ذلك هو الحقيقي وحسب.
    هذا ما أراه بحسب فهمي المتواضع والبسيط وحسب.

    ردحذف