التسميات

28 فبراير 2011

الخـسـارة التي لم يتوقعها الـتجـار


* محمد الحكيمي
بين مخيمين داخل العاصمة صنعاء،تبرز حركة التجارة باعتبارها مؤشر جيد لتحديد عناصر التخريب.تبدو الصورة مختلفة للغاية في المشهدين اللذين أفرزتهما ثورة احتجاجات الشباب المطالبين بإسقاط النظام.المشهد الأول:اعتصام الشباب والطلاب في ساحة جامعة صنعاء، والآخر: مخيم الحزب الحاكم وأنصاره في ميدان التحرير،الذين يصفهم الجميع بـالبلاطجة.

وفي المشهدين ،تحضر الخيمة كأداة مشتركة بين فعلين نقيضين ، لكن الخيام لا تتشابه بالعادة ، وما هو حقيقي  أن المشهدين خلقا حركة نشطة لتجارة وبيع الخيام وسط سوق يعاني الكثير من الركود.

الأسبوع الفائت علت أصوات المتضررين ، وتم الكشف عن فاتورة إضافية للأزمة تتحمل نتيجتها السلطة ، فالخيام التي نصبها الحزب الحاكم في ميدان التحرير ووصل عددها 21 خيمة من الحجم الضخم، قامت بفعل طارد استدعته السياسة التي لم تنتبه إلى طبيعة المكان المعروف بوظائفه التجارية المتعددة ؛ وحدث أن سببت الخيام الكثير من الخسائر والأضرار ، لقد توقفت الحركة التي عرفها المكان، وتسببت بإغلاق مئات المحلات التجارية ، وأعاقت مرور السيارات والبضائع من الدخول والخروج إلى المنطقة. حتى أضحت منطقة ميدان التحرير أشبه بمعسكر يقطنه جيش شعبي، بيد أن مخيمات الشباب في ساحة جامعة صنعاء صنعت مفارقة تستحق الاهتمام ، لقد أوجدت خيام المحتجين هناك حركة بيع نشطة للمحلات والباعة المتجولين ؛ وشهدت المحلات والدكاكين والمقاهي في محيط الجامعة عدداً ضخماً من المتسوقين والزبائن، لدرجة أنها صارت تعمل دون توقف طيلة النهار والليل ، وما من أحد من أصحاب المحلات يشعر بالقلق على دكانه مهما علت الهتافات في الساحة.
يبدو الأمر عجيباً للغاية ومُنصف بعض الشيء ، في ما يقوله كبار التجار، فنائب رئيس الغرفة التجارية بأمانة العاصمة محمد صلاح كشف عن أن خسائر صغار التجار في العاصمة تجاوزت مبلغ 70 مليون ريال حتى منتصف الأسبوع الفائت، وأشار نائب رئيس غرفة صنعاء إلى أن منطقة ميدان التحرير تعد بمثابة شريان الحياة اليومية للعاصمة نتيجة الاكتظاظ السكاني فيها ، ووجود قرابة 400 محل تجاري كبير في المناطق المغلقة حاليا، فضلاً عن مقرات مؤسسات وبنوك تجارية كبرى.
ويقول محمد صلاح في إشارة هامة بأن استمرار إغلاق تلك المناطق أدى إلى إغلاق المقر الرئيسي للبنك اليمني للإنشاء والتعمير، ومصرف اليمن والبحرين الشامل. وهو الأمر الذي استدعى عقد اجتماع للغرفة التجارية في العاصمة، فالكثير من التجار رفعوا  شكواهم للغرفة التجارية أفضى إلى تفهم المسئولين ومطالبتهم برفع تلك المخيمات.
بمقدور خارطة العاصمة صنعاء القول بأن الحركة التجارية الحقيقية ليست أمام ساحة الجامعة ، بقدر ما هي متكتلة وسط ميدان التحرير ، كون معظم المحال التجارية هناك هي محلات بيع السلع والمواد بتجارة الجملة أكثر من كونها محلات بيع التجزئة، في حين أن المحال أمام ساحة الجامعة ليست أكثر من مجرد دكاكين صغيرة للسلع ، ومطاعم ومقاهي ، ومكاتب بيع القرطاسية ، وهي دكاكين تختص بتوفير متطلبات طلاب الجامعة التي تعيش حالة عطلة.
دعونا من ذلك .. ولننظر إلى ما يخشاه التجار جراء إغلاق المحال التجارية، فما قاله نائب رئيس غرفة صنعاء ناتج عن خشيتهم لأن تتعرض محلاتهم التجارية لأعمال النهب والسلب من قبل البلاطجة وهو ما حدث بالضبط. فطيلة الأسبوعين المنصرفين بثت الكثير من المواقع الإخبارية والصحف أخباراً تتحدث عن اقتحام عشرات المحلات من قبل البلاطجة الذين يؤون كل يوم إلى خيام ميدان التحرير.وفي أجواء ذلك لم يسمع احد بأن المحتجين في مخيم جامعة صنعاء قد قاموا بأمر مماثل ، وهو ما يعكس عن امتياز حضاري للمخيم ولنوايا سكانه.
ما يؤكد أفضلية مخيم الشباب هو ذلك البيان الذي أصدرته  الجمعية العمومية للغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة ، حيث دعت إلى رفع الضرر عن أعضاءها التجار في نطاق ميدان التحرير والذين تعرضوا للضرر البالغ جراء توقف الحركة التجارية نتيجة الخيام الجاثمة وسط الميدان وطالبت بتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم.
وفي سياق ذلك كله ، يبدو القطاع الخاص متحفظاً عن موقفه حيال ما تمر به البلاد ، بالرغم من مساندة عشرات التجار لاحتجاجات الشباب ، ولعل بعض رجال الأعمال يذهب بالقول أن ما يتعرض له بعض أعضائه من استهداف لمحالهم يأتي بنوع من التوجيه لمنافسين لهم في الحزب الحاكم ، ليصل الأمر حد تصفية الحسابات، وبرغم ذلك يقول التجار بأنهم دعوا الجميع إلى الاحتكام إلى العقل كمخرج وحيد لحل الأزمات.
لكن مؤشرات عدة تؤول إلى استنتاج موقف رفض غير معلن يضمره التجار ، وهو ما استدعى رئيس الغرفة التجارية بالعاصمة حسن الكبوس قبل أيام المطالبة بمقابلة رئيس الجمهورية لإسقاط ضريبة المبيعات، وهو إسقاط ضمني لأشياء كثيرة لم يسمها أحد من رؤوس الأموال ، تخلص في نهاية المطاف إلى إسقاط كل ما هو قائم كونهم عرضة للكثير من الابتزاز.
رجل الأعمال علي صالح الأشول ركز في الاجتماع الأخير للغرفة التجارية على ما قال: انه هتك الأعراض حيث اعتدى عدد من أفراد الأمن المركزي على التجار في المسيرة السلمية الأسبوع الماضي بالعاصمة صنعاء،مشدداً المطالبة برد الاعتبار لهم من قبل الأمن المركزي ومحاسبة المعتدين". يقول الأشول : ان الضرائب اخذوا منه مبلغ 230 مليون ريال غير قانونياً، ومنذ 3 سنوات وهو يتابعها، إلا أنهم عرضوا عليه إعطاءه مبلغ 28 مليون لكنه رفض ذلك".حسب قوله.
هذا بالضبط ما سيقوله كل رجال الأعمال بلكنات مختلفة، حتى وأن أعلنت غرفتهم حيادية القطاع الخاص الكاملة في مجريات الأحداث ،وأنها ليست طرفاً فيها.لكن ليس على الإطلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق