التسميات

06 يناير 2011

مصدر إحـباط كـبـيـر


تدهور الأداء الاقتصادي لليمن العام الفائت كان مخيباً للآمال .. وهذا يعني أن البلد لن تكون أفضل حالاً هذا العام ، فما هو مؤكد الآن هو تضائل النفط في اليمن ، نتيجة انخفاض إنتاجه بواقع 50 في المائة على مدى أربع سنوات مع تراجع سعره، ويبدو أن هذا التضاؤل سيترتب عليه  نقص حاد في مصادر التوزيع، الأمر الذي يدفع بإحتمالات كثيرة لن تكون جيدة على الإطلاق.

قد تبدو الإصلاحات التشريعية وكأنها تسير بخطى حثيثة، وهو ما يقود إلى أن ثمة أمل ما إن استمر التقدم بنفس الوتيرة، لكنه لا يصل لحد الإقناع بأن التغيير نحو دولة حديثة قد بدأ فعلا..فهذا ليس ثابتاً تماماً.
لننظر مثلاً إلى ما لدينا بالضبط من أرقام في مؤشرات اقتصادنا الهش ، فتدهور الأداء الاقتصادي في 2009، كان محبطاً للغاية ، وقد عكس تدهوراً ملحوظا في الأوضاع الأمنية وفي انخفاض في عائدات النفط ، كما أن عائدات السياحة والتحويلات المالية انخفضت هي الأخرى . و انخفض نتيجة لذلك من 4.8% إلى 4.1% معدل النمو في القطاع غير النفطي الذي يعتبر المصدر الرئيس للعمالة.
طبقاً للمؤشرات الأخيرة ، يظهر ثمة ارتفاع في العجز المالي في اليمن من نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 10%.  . كما تدهور الحساب الجاري للبلد إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي (من حوالي 5% في 2008). وبرغم ذلك كله فإن معدل التضخم اعتدل من نسبة 19.09% في 2008 ، إلى قرابة  16% في 2009 ، ليصل في 2010 الى 10% في المتوسط .واذا ما افترضنا بأن المعنيين سيكترثون بالأمر ، فلربما يصل التضخم في 2011 الى 9 % .ولعل هذا انجاز.
ما هو مبعث تشاؤم : انخفاض المدخرات في 2010 بشكل مخيف ، لقد انخفضت المدخرات اليمنية إلى 3% بدلاً من 11% في العام الفائت من الناتج المحلي الإجمالي ، مظهرة بذلك حالة الاقتصاد الحقيقية المنهكة.
كل ما قامت به  الحكومة كفعل احتواء لذلك هو أنها شرعت في خوض مناقشات مطولة مع صندوق النقد الدولي حول تقديم الدعم الممكن لبرنامج إصلاح اقتصادي يوصلها لإعادة توازن الاقتصاد الكلي.لكن ذلك لم يجدي نفعاً ولم تفصح الأرقام الرسمية عن اية استعادة لتوازن ما في اقتصادنا المختل.
بيد أن التفاؤل الرسمي يفضل الحديث بصيغة الانجاز ، ويذهب بالقول إلى أن  النمو بدا أعلى في العام 2010 ، كونه وصل إلى الضعف بنحو 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي ، لكن هذا لن يغير من حقيقة أن التوقعات الاقتصادية الكلية للبلد لا تزال ضعيفة.. وستبقى كذلك.
لو قلنا مثلاً .. أننا لن نكون متشائمين للغاية ،وأن لدينا ما يمكن التعويل عليه كالتدفقات المالية القادمة من مشروع الغاز الطبيعي المسال الجديد (LNG) ، وأن هذا التدفق مثلاً سيمكن التوازن التجاري في اليمن من الاستفادة من ظروف السوق المواتية لقطاعي (النفط والغاز) وأن المتوقع منه  سيؤدي إلى انخفاض العجز في الحساب الجاري إلى نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن المراهنة على هذا الأمر  ليست كافية على الإطلاق، كون النمو في القطاع غير النفطي لديه مشكلة وهي أنه سيظل ثابتا نسبيا بنحو 4.4%.وهذا يعني انه لن يتحرك إلى الأمام. فطبقا لموازنة الدولة في 2010 سنجد وجود عجز بمقدار 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وهو الأمر الذي قاد المفاوضات الحكومية مع صندوق النقد الدولي الخروج ببرنامج دعم إضافي لثلاث سنوات للوصول لمعدل أقل في العجز المالي في 2010.
كانت الحكومة حينها تراهن على عملية تثبيت أسعار النفط في 2010 ، وعلى ما ستجنيه من التشغيل الكامل لمشروع الغاز الطبيعي المسال ، لكي يساعدها هذا على تحسين عائدات قطاع النفط والغاز ، ولكي يشارك الأمر في خفض العجز المالي .. لكن ذلك لم يتحقق كلياً بحجم المراهنة.
وما حدث بعد ذلك كان أشبه بضربة للاقتصاد ..فمعدل التضخم ارتفع في اليمن طيلة العام 2010، في الوقت الذي ثبتت فيه أسعار السلع العالمية. وما زاد تفاقم الأمور هو أن الحكومة لم تتمكن من معالجة كل التراكمات الأخيرة في الديون المحلية أو الضغط على سعر الصرف بإحكام تام ، فـ بالنظر لسعر الصرف بين عامي 2009 و2010 نجد أنه انتقل من قيمة 206 ريالات للدولار الواحد، إلى 215 ريالا للدولار في الثلاثة الأشهر الماضية فقط ، وهو استقرار لا يؤكد على الاستمرارية.
كل ذلك جعل أمام الحكومة فكرة حجز الأرصدة بالريال اليمني بمثابة الخيار الأنسب ، لتبدو الفكرة أكثر جاذبية عن طريق زيادة نسبة الفائدة على الودائع منذ شهر فبراير2010 وذلك من 10% إلى 20% حاليا.
كانت الحكومة بذلك تود التأكيد على أنها في طريق تصحيح سياسات الاقتصاد الكلي. وبمعنى آخر أنها في طريق استعادة الاستدامة المالية . لكن ذلك لا يأتي بمجرد التمني وحسب ، فاستعادة الاستدامة المالية التي تمنتها الحكومة جاءت في الوقت الذي تتهاوى فيه عائدات النفط بصورة متوالية.
كل هذه المعطيات توؤل الى أن التوقعات المحتملة لواقع الاقتصاد في 2011 ستكون مزعجة للغاية ، وهي على الأرجح ستدفع بالحكومة فيما يبدو لعمل تعديل مالي اضطراري ، مع الحصول على مساعدة خارجية لجعل التعديل يبدو سهلاً، فضلاً عن أنها في الوقت ذاته ستعيد تفعيل تلك الأهمية لفكرة وجود مناخ استثماري أكثر ملائمة لتسريع نمو القطاع غير النفطي وعائداته.ولعل هذا يبدو مملاً للجميع  ، كون مفاده يقول بأن الحكومة ما تزال تنوي تكرار الكثير .. و برغم ذلك تبدو الحكومة الآن وكأنها ليست في طريقها إلى ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق