التسميات

25 نوفمبر 2010

ركـل مـؤقـت للـركود الاقتصادي

رقصة حفل الافتتاح - تصوير: فؤاد الحرازي
* محمد الحكيمي

تبدو فكرة إقامة دورة كأس الخليج العربي العشرين في مدينة عدن الآن ، بمثابة إعادة إنتاج صورة ايجايبية طارئة ، لصنع فارق لسجل اليمن،في مقابل مجموعة التحديات والمشاكل التي تحيط بسمعة هذا البلد أمام جيرانه والعالم على حد سواء.

فالتحضيرات التي كرستها الحكومة اليمنية بدت بنوع من المكابرة،لإنجاح الحدث؛ وهي تتصدرالعناوين الرئيسة للانباء بصورة لافتة ، ويبدو أن الأخبار هي أيضاً بحاجة لاذاعة أمور جيدة ، فالناس هنا تشبعت من الأحداث السيئة طوال الخمس السنوات الاخيرة. حتى وان كان الأمر بحد ذاته مجرد رهان فاصل، يخدم الحاجة السياسية وفق التوقع الرسمي.
بالنسبة للحكومة فأن نجاح البطولة ، يعني انتصاراً بكل ما يحمله المعنى الحرفي للكلمة ، كونه يأتي في اللحظة التي علت فيها تكهنات عدة تشير لأنهيار الساحة اليمنية المحاصرة بالركام، ولعل هذا النجاح سيبدو قادراً على تغيير الحال رأساً على عقب ؛ كونه سيؤول نحو تعزيز فرص الحكومة ومطالبها العديدة امام نظرائها في دول الجوار.
لنترك حكاية الانتصارات السياسية والكروية في خليجي 20ً،ولنتحدث عن المكسب الحقيقي للحدث ذاته ، كونه أشبه بضربة مباغتة للركود الاقتصادي اليمني الذي ساد القطاع السياحي والعقاري وكذلك الخدمات ، فضلاً عن أنه شكل فرصة لأن تقوم الحكومة بإكمال وظائفها المتعثرة في مضمار تنمية البنى التحتية،التي تركتها مهملة في المحافظات المرتبطة بالحدث.
طبقاً لتقرير اللجنة الاشرافية العليا لاستضافة بطولة خليجي 20، خصّصت الحكومة اليمنية مبلغ 563 مليون دولار وهي الميزانية الاجمالية لخليجي 20،لتنفيذ 213 مشروعاً خدماتياً في المحافظات المحتضنة للبطولة وهي :عدن وأبين ولحج، وحدث ان استكملت هذه المدن ما تعانيه من نقص في قطاعات الكهرباء والأشغال والطرق والاتصالات والصحّة والمياه والصرف الصحي والنقل وصولاً الى النظافة.
كل هذا أمر جيد.. فالناس في جنوب البلاد ستلمس أخيراً عودة التنمية الرسمية في هذا الوقت، حتى وإن كان حضورها مناسباتي كالعادة.فربما قد يساعد ذلك على اعادة انتاج العلاقة بين الحكومة ومواطنيها في صورة مرنة يخف فيها حجم الاحتقان القائم الى حد ما.
يبدو المنطقي في أمر كهذا مقبولاً نوعاً ما، اذا ما علمنا ان عدن حازت على حصة ظلت غائبة عنها من هذه المشاريع، باعتبارها المضيف الرئيس لـخليجي 20، الأمر الذي مكنها من الحصول على 121 مشروعاً،بتكلفة 21 بليون ريال. في مقابل حصول لحج القريبة من عدن على 59 مشروعاً بقيمة ثلاثة بلايين ريال، لتبقى 31 مشروعاً بتكلفة ثمانية بلايين ريال ، من نصيب محافظة أبين.وهذا جيد.
قالجانب الحسن الذي يضيفه هذا الحدث وسط الأمور السيئة ، هو أن الحياة الاقتصادية في المدن المحتفية به ، ستشهد تحسناً أفضل بعد أن سيطر عليها الركود طيلة عامين. ويبدو الفارق هنا واضحاً الآن بعد عودة العمل في قطاعات عديدة كانت تستعد لإعلان افلاسها واغلاق أبوابها وتسريح العاملين بها، نتيجة تعثرها بسبب تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات لقوى الحراك الجنوبي من ناحية، وتنامي العمليات الارهابية التي شنها تنظيم القاعدة ومقاومة الأجهزة الأمنية لها. ولعل فعل التحول من ركود تام الى انتعاش ملحوظ يتجسد بصورة جيدة في مدينة عدن ، فالحركة التجارية بدأت تدب اليوم بخدماتها داخل ساحة أصيبت بالتشوة، وهذه هي المفارقة المدهشة.
 بمقدور(منصور الشرعبي) مثلاً شرح الأمر ببساطة؛ يقول الشرعبي وهو أحد مالكي الفنادق في مدينة عدن :'' قبل أربعة أشهر كنت أنوي إغلاق الفندق الذي املكه في عدن بسبب الركود وضعف اقبال السياحة الداخلية خلال هذا العام، لكن العمل تغير فجأة الآن بسبب خليجي 20 ،وارتفعت الحجوزات، ولا بد من تعويض خسارتي''.
إن فندق هذا الرجل الذي وصلت نسبة الايواء فيه مائة بالمائة ، ليس سؤى واحداً من بين 115 فندقاً من الفنادق الجاهزة لايواء قرابة 40 ألف وافد من دول مجلس التعاون الخليجي، وهم الذين قدموا إلى عدن خلال المناسبة. وماهو أهم من ذلك هو استيعاب العمالة في هذه المنشأت وغيرها من المتنزهات والمطاعم والأسواق, فضلا عن الترويج للمنتج السياحي اليمنى.فأحد الفنادق الجديدة التي تم تشيدها استوعبت لوحدها أكثر من 2000 عامل وعاملة للعمل على خدمة النزلاء،الأمر الذي يبعث التفاؤئل لشريحة كبيرة من العاطلين.
أكثر ما يمكن إلتقاطه في استضافة كهذه، هو أن بمقدور الاقتصاد ايجاد مصادر دخل مجدية،لا علاقة لها بخطط اليمن الاقتصادية الهشة،والتي لم تحدث شيئاً يذكر للاقتصاد. فبعيداً عن تحريك الاستضافة لقطاع السياحة بدرجة أساسية ، تحضر زيادة جديدة في الناتج الإجمالي للبلاد, باعتبار أن السياحة تعد المورد الثاني للدخل القومي بعد النفط, كونها تمتلك مقومات متميزة والكثير من عناصر الجذب السياحي.
انظروا الى الارقام المدهشة لعوائد هذه الكأس ، فقيمة حقوق نقل بطولة خليجي 20 التي اشترتها قناة "أبو ظبي" الفضائية، بلغت لوحدها 35 مليون دولار، منها 30 مليون دولار قيمة النقل، وخمسة ملايين دولار احتسبت لدعم المنتخب اليمني , ويقول الخليجيون بأن هذا الرقم الذي وصلت اليه بيع حقوق النقل التلفزيوني للدورة، يعد الأعلى في تاريخ هذه البطولة على الاطلاق.
بيد أن الرقم الأكبر الذي ستجنيه اليمن من خليجي 20 ، هو ما يدعو للتفاؤل ، فرئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية بعدن محمد عمر بامشموس قال قبل يومين : أن العائدات المالية الناتجة عن استضافة اليمن لبطولة خليجي 20 ستصل إلى أكثر من 500 مليون دولار. وهو رقم صائب من وجهة نظر المنظمين للحدث ، فالأسواق اليمنية شهدت حركة تجارية لاقت قوة شرائية نشطة منذ بداية انطلاق البطولة في جوانب الاستهلاك المحلي وحركة المواصلات والاتصالات والسياحة والفنادق والمطاعم وغيرها من الخدمات ، وهذا امتياز.
 ما ينبغي على الحكومة الاستفادة منه ، هو الادراك الذكي لما فعله خليجي 20 ، وهذا يعني أن تعي الحكومة وتفهم شيئاً أو شيئين عن العلاقة التي نتجت بين القدرة التي حركتها ، والفرصة التي سنحت لحدوث ذلك.كي تصل الحكومة الى نتيجة استثمار كليهما معاً..ولو نجحت الحكومة في فهم ذلك، ستسطيع العثور على خط جديد يقودها الى ابتكار العديد من الفرص التي تولد نشاطاً مفيداً في الحياة الاقتصادية، دون الحاجة لانتظار الدور في قائمة تتطلب منها الكثير من المشقة والمراهنة والانتظار.
 الفرص لا تخلق المنجزات..لأن المنجزات المتوافرة هي التي تجذب الفرص وتحددها ببساطة ، ولعل هذه هي مشكلة المنجزات المرتبطة بالتنمية في اليمن. فلكي تقوم الحكومة بتجهيز مدينة بكافة الخدمات كما حدث لعدن، فينبغي على الجميع انتظار دورة كأس الخليج مثلاً.. وهذا منطق مقامر أكثر من كونه منطق عمل طبيعي.
هل تتذكرون ما حدث في العام 2007 ، حين حلمت الحكومة اليمنية بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي .. لم يحدث شيء كونها استيقظت على حقيقة اقتصادها الذي يحتاج إلى 45 مليار دولار كي يصبح خليجيا ً ، وهو ثمن باهض وكبير، يستحق أن يكون حلماً وطنياً تخلص له النوايا الرسمية ، كما أخلصت لحلم الوحدة حتى أصبحت حقيقة. لكن ذلك يتطلب أموراً كثيرة ينبغي على الحكومة اليمنية فعلها ، لعل أولها: التخلص من شهيتها المفتوحة على الدوام ،وهي مهمة صعبة التنفيذ بالنسبة لحكومة أدمنت القروض والمساعدات الخارجية.
 قد يكون الخبر السار أن وزراء النقل والمواصلات بدول مجلس التعاون الخليجي يفكرون بجدية الآن بمشروع ربط اليمن بسكة الحديد التي تربط دول المجلس..لكن هل يفكر وزراء الحكومة اليمنية على نفس المنوال، وبأحلام كهذه.! ربما لا .. لأن معظم الأمور لدينا سرعان ما نكتشف انها تعتمل بشكل مؤقت ، ومناسباتي وبعبارة أخرى : استعراضي ، سواءاً كانت طريقاً اسفلتياً أو سكة حديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق