التسميات

25 مارس 2012

الـتـنجـيـم فـي الـنـفـط ، بـديـلاً للاسـتـكـشـاف !


المهندس الحميدي رئيس هيئة الاستكشاف | تصوير: مجلة الاستثمار.
* محمد الحكيمي

يتحدث المهندس نصر الحميدي ، رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط ، عن الاكتشافات النفطية والغازية الجديدة ، بنوع من التخمين دونما توقف، وهذا يعني أن تـنطعات الاكتشافات الرسمية في مضمار النفط، ما تزال أداة جيدة لـ العلب على الرأي العام في اليمن ، أكثر من أي مكان في العالم.
الأسبوع الفائت وفي تصريح لوسائل الأعلام كان رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط يتحدث عن "بشائر" استكشافية واستخراجية جيدة من النفط والغاز ، وما من أحد بمقدوره فهم معنى " بشائر" غير المتحدث ذاته.

يقول الحميدي:"بالفعل هناك ثمة مبشرات في بعض القطاعات الاستكشافية النفطية لا سيما بعد الإعلان عن دخول قطاع-47 مرحلة التنمية والذي تديره شركة DNO النرويجية" ، لكنه سرعان ما يعود للاستدراك بالقول "غير أن الحديث عن التفاصيل الاستكشافية لبعض القطاعات الأخرى سابق لأوانه خاصة وان العام المنصرم 2011 كان قد شهد توقف العمل في القطاعات الاستكشافية مما آخر عملية اختيار وتقييم تلك الآبار والتي من خلال نتائجها يتم تقييم تلك القطاعات بشكل علمي ودقيق حينها".
لم يشر رئيس هيئة الاستكشاف إلى تاريخ زمني لتوقيت "حينها" ، وهو أمر لا تنتهجه الجهات النفطية وهيئات الاستكشاف ، غير هيئة استكشاف أراد لها المهندس نصر الحميدي أن تكون كذلك.
أنظروا إلى طريقة نقل الحقائق العلمية المعتمدة في أجندة رئيس هيئة استكشاف النفط ذاته، لقد ظهر الرجل نهاية الأسبوع الفائت ليعلن بالقول:"يمكننا الحديث باستفاضة عن تلك الاستكشافات وحتى ذلك الحين يمكننا التأكيد على مؤشرات ايجابية عن وجود اكتشافات نفطية وغازية في عدد من القطاعات الاستكشافية".
يرى الكثيرين أن كل حديث مستفيض في مضمار الثروات القومية لبلد ما، يفضي في النهاية لكلام فضفاض ، لا يمكن استنتاج المعطيات الاقتصادية فيه من الفذلكة السياسية .. كونه حديث إنشائي لفرضيات وتطلعات وحسب، ولا يستند على أساس علمي ، ولا يمكن إسقاطه بلغة الأرقام.
انه يحدث بشكل اعتيادي ، ويكاد يكون أجندة العمل في عصب اقتصادي هام وحساس كقطاع النفط والغاز اليمني، وفي أجواء مسرحية التغيير السياسي التي تشهدها البلاد، يبدو الأسلوب البيروقراطي حاضراً للتأكيد على أن نظام المحسوبية سيستمر في الانتصار لسنوات قادمة.
يبرز منتهى الإحباط في ما أورده رئيس هيئة إنتاج النفط في السياق ذاته حين قال: "لذا أقول بان علينا استشراف المستقبل بتفاؤل لا سيما بعد أن ولجت بلادنا مرحلة جديدة من التوافق الوطني ، مع اعترافنا بوجود صعوبات كبيرة في حل مسألة الطاقة".
وفي معرض الحديث عن كمية الإنتاج الحالية يتذبذب الحميدي كالعادة، وهو يقول "أن متوسط الإنتاج اليومي من النفط الخام في الحالة الطبيعية في حال عدم تعرض خط الأنبوب لأية أعمال تخريبية ما بين 251- 272 ألف برميل يومياً، أما حالياً فيصل متوسط الإنتاج اليومي 140 ألف برميل يومياً "نظراً لتوقف ضخ النفط المنتج من القطاعات الإنتاجية في حوض السبعتين والمرتبطة بخط الأنبوب "مأرب- رأس عيسى" نتيجة تعرضه لأعمال تخريبية".
بيد أن العودة لتصريحات سابقة صدرت عن المسئول ذاته في العامين السابقين ، سيكتشف المرء كم أن الفجوة كبيرة بين هذه الأرقام وتلك.
في نهاية المطاف لا ينسى رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط إلى قول التبرير الذي ردده قبل عام تقريباً ، وهو ذات التبرير الذي أدلى به الأسبوع الفائت في أسبوعية "26 سبتمبر" بالقول: " قد لا أكون راضياً عما تحقق اللحظة، حيث لا زالت هناك مسافة بين ما نريد تحقيقه وبين ما هو قائم غير أن تخفيض الطموحات سوف يقرب المسافة بين الأهداف وبين الإمكانات المتوفرة مما يحفزنا على العمل والدأب، كما أن توضيح ما نريده على نحو جيد يساعد هو الآخر على إزالة الأوهام التي تعشش في أذهاننا وتصبح مصدراً لتوليد الإحساس بصعوبات غير موجودة.
بمقدور الجميع هنا ، فهم المسافة التي يريدها المهندس نصر الحميدي ، بين ما يريد تحقيقه وبين ما هو قائم ، ويبدو الطريف في الأمر أن الطموحات والمؤشرات الايجابية التي بدأ الرجل بتلاوتها في بداية تصريحه ، استطاع كبحها في نهاية كلامه ليشير بالقول" تخفيض الطموحات سوف يقرب المسافة".
لعل هذه المسافة ، التي لا نعرف إلى أين ستصل بنفط البلاد ، هي المسافة التي تربط بين عقل الحميدي وعينه ، كون إدارة الإنتاج النفطي لبلد منهك تتناقص ثرواته و أصبح طاعناً في السن ، تتطلب كلاماً مسئولاً ودقيقاً ، أكثر من احتياجها لثرثرة تبرر مد المسافات بين فترات التعيين والمناصب.وهي بالضرورة لا تصب في مصلحة الوظيفة أكثر من مصلحة الموظف وحسب.
آخر عبارة قد تصيب المرء بالإزعاج من ما أورده المهندس الحميدي ، هي عبارته التالية:" هناك عوائق بعضها قد يكون تقصيرا منا نحن ، وبعضها الآخر ناتج عن عوامل خارجية لكني على ثقة تامة بأنه متى ما توفرت الإرادة والنوايا الصادقة والعزيمة على انجاز أشياء محددة في زمن محدد تجعل المرء يضع قدمه على بداية طريق النجاح وبمجرد أن يشعر بأنه بدأ يتقدم تتولد لديه طاقات جديدة تساعده على المضي نحو الأمام باطمئنان وثبات".

ربما ينبغي علينا التنويه للقارئ بأن كل ما قيل هنا بحسب التصريح هي معطيات علمية هامة كما يعتقد رئيس أكبر هيئة للثروة التي يعتمد عليها اقتصاد البلاد ، فالرجل يرى قول كلام كهذا يعد نوعاً من الانجاز. وكم هو فادح أن يشعر المرء بحسن ظن تجاه نفسه.تماماً كما يشعر المهندس الذي لا يتوقف عن التنجيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق