التسميات

14 مارس 2011

الاقـتـصاد بحاجة لإسـقـاط الـنـظـام

تصوير: المصور العالمي ايريك لافورج.
* محمد الحكيمي

على مر ثلاثة عقود ، والصورة القاتمة ما تزال قاتمة في الحياة الاقتصادية اليمنية ، وما من مراوحة حقيقية تكاد تـُذكر. النمو الاقتصادي ضعيف للغاية. التضخم مرتفع. ومعدلات البطالة آخـذة في الارتفاع. وليست هناك ثمة مشاريع حقيقية يمكن لها توفير وظائف لعشرات الآلاف من العاطلين عن العمل. و العجز السنوي مستمر في الميزانية. وما هو أسوء أن الإنفاقات الضخمة ذهبت لبناء المنشآت الفردية بدلا ً من البنى التحتية والخدمات. لتتحول في النهاية كمشاريع خيرية باسم الصالح.
أحد المسئولين السابقين علق على الأمر بالقول :"اليأس أثار كل ذلك".

وهذه حقيقة ، تبدو كفيلة تماماً بتغذية الاحتجاجات الغاضبة ، والعمل على استمرارها. ذلك أن اليأس قاد الناس إلى استعادة الثقة بأنفسهم وفي قدرتهم على التغيير.
طبقاً لتقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عن جذور الاضطرابات الاقتصادية في اليمن (الصادر الأسبوع الفائت) يشير تضمين المحللين فيه إلى أن العجز المتوقع  في 2011 للميزانية اليمنية سيرتفع  إلى 3.75 مليار دولار؛ وهو رقم ضخم وكبير سيخلق عبئاً جديداً على بلد فقير ومنهك.
يدرك كثيرين أن سلسلة التدابير الاقتصادية التي طرحتها الحكومة بتوجيه من الرئيس صالح قبل أيام لتحسين مستوى المعيشة ، ليست سؤى مناورة سياسية وحسب، سرعان ما يكتشف أنها لن تستطيع الاستمرار، فالحلول الاقتصادية الطارئة وسط هذا الرفض الشعبي لا يمكن لها خلق الاستقرار على الإطلاق.
بالنسبة للدكتور سيف العسلي وزير المالية السابق  فأنه يرى أنه لا بالأفكار ولا المشاريع تظهر حركة في الاتجاه الصحيح ، وما هو أكثر خطورة هو أنه ليست هناك أي خطط على أرض الواقع. يقول العسلي : "حتى لو نحن نعتقد الآن أن الحل في إدخال إصلاحات اقتصادية، فإنها تحتاج إلى سنة أو سنتين لتؤتي ثمارها، على افتراض وجود الإخلاص في عملنا".
ولعل الكثير من رجال الحكومة الذين قدموا استقالاتهم من مناصبهم ، باتوا على يقين  بأنه لا يوجد ثمة أمل في النظام ككل.ويقول أحدهم : " لا يمكنه الحفاظ على وعوده ولا نستطيع أن نفعل شيئا لأنه يستغل جميع الفرص، ولا يمكن أن يكون صادقا في وعوده، وإذا كان قادرا على فعل شيء، لكان قد فعل ذلك في السنوات الماضية "ويضيف بالقول:" تحسين ظروف المعيشة يتطلب "تغيير الوجوه، لأن الأيدي المتسخة لن تنجح".
يمكن التأكيد بأن سبب المشكلة الاقتصادية المتفاقمة ، يكمن في الطريقة التي تمارسها الحكومة ، فبالعودة إلى ما تم قبل عقدين سيتضح الأمر، و أن ما زاد من تعقيد أزمة الاقتصاد اليمني بعد أزمة حرب الخليج ، هو ما حدث في العام 1997، حين اضطرت الحكومة للذهاب إلى صندوق النقد الدولي ، وتوصلت آنذاك إلى اتفاق بزيادة الائتمان في اليمن ووضعها على طريق الإصلاحات الاقتصادية.وبموجب ذلك  الاتفاق ، قدمت الحكومة مجموعة من الإجراءات التي لم تحظى بشعبية مثل خفض وظائف الخدمة المدنية، والقضاء على دعم وقود الديزل وغيرها ، وإدخال الضريبة العامة على المبيعات.
بيد أن الحكومة ، فشلت بما فيه الكفاية للامتثال للشروط التي فرضها صندوق النقد ، بسبب خطواتها المحدودة في تنفيذ تلك الإصلاحات ، الأمر الذي قاد صندوق النقد الدولي إلى تعليق تمويله لكل الإصلاحات حتى الآن. لتتجه شهية الحكومة بعد ذلك نحو البنك الدولي ، وحدث أن قدم البنك طيلة أربع سنوات مبلغ 2.3 مليار دولار ، وفق حزمة إصلاحات تسهم في الدعم الاقتصادي منذ العام 2002، لكن هذه المبادرة لاقت نفس مصير مشروع صندوق النقد. وتكرر الفساد الرسمي في تنفيذ إصلاحات ممكنة ، الأمر الذي استدعى البنك الدولي الإعلان عن خفض المساعدات المالية لليمن بنسبة الثلث.
لكن الحكومة لم توقف التسول الرسمي ، فقدت ظلت مستميتة في تكرار الحيل باسم التنمية تارة بعد أخرى دونما توقف ، وفي أواخر العام 2006 استطاعت الحكومة جلب أموال جديدة ، لتخرج من تعهد اجتماع شركاء التنمية وبحوزتها 4.7 مليار دولار على هيئة منح وقروض ميسرة بدأت من 2007 حتى 2010.
ربما لم يعد خافياً لأحد بأن الحكومة وجدت من مسالة التسول على الخارج وظيفة مجدية ، وما يؤكد ذلك هو أنها رأت من "أصدقاء اليمن" توصيفاً جذاباً لتدفق الأموال من الجيران بما لا يخضعها للمسألة ، وهو الأمر الذي جعل الجميع يندهشون من جرأة وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي الذي طلب الأسبوع الفائت ضخ مبلغ 6 مليارات دولار في خزانة النظام تحت مبرر سخيف وصفه القربي بالقول :" للمساعدة على تلبية مطالب المحتجين المناهضين للحكومة". قال القربي في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة أبو ظبي : "ما نحتاجه حقاً هو التنمية والنمو الاقتصادي لان الأزمة السياسية الحالية هي نتاج للوضع الاقتصادي في اليمن". انظروا إلى طريقة خلط الأوراق التي يزعمها الرجل، أمام الأشقاء الذين همسوا له بأنهم لن يبلعوا الـُطعم هذه المرة. فالأمر ببساطة نتاج السياسة وليس الاقتصاد.
إن إسقاط النظام في اليمن..يعني التخلص من كل العوائق التي تعترض طريق التنمية والاستثمار، ويعني التخلص من الفساد الذي لم تتم محاربته بعد. فما هو واضح أن كل منجزات النظام أمام العالم وأمام شعبه طيلة 30 سنة، ليست سؤى سجل إخفاقات مخزية وفادحة للغاية : البطالة التي تحوم حول 35 في المائة. و سوء التغذية المزمنة يعاني منها نصف أطفال البلد ، و40 بالمائة من السكان يقبعون تحت خط الفقر. عجز الميزانية يتجاوز 11 بالمائة ،  والتضخم المخيف وصل 20 في المائة ، و احتياطيات نفطية في وضع الاضمحلال ، وعملة محلية متدنية تعاني عدم الاستقرار.
يقول الخبير الاقتصادي عبد الغني الارياني، وهو مستشار التنمية اليمنية في البنك الدولي :" أن الفقر هو نتيجة لسياسات الحكومة، التي صممت لمساعدة النظام للحفاظ على إبقاء قبضته على الشعب. لكنه أضاف أن نفس السياسات أدت إلى الركود الاقتصادي و "نقص الاستثمارات الأجنبية المباشرة ".
ينبغي النظر إلى الاقتصاد بوصفه عاملا من عوامل التغيير السياسي.وهذا بالضبط ما لا تحب الحكومة قوله كونها ، تذهب دائماً للتضليل بمنطق العكس.ولعل ما هو مطلوب الآن ، يتفق تماماً مع ذلك وهو: "نقل فوري للسلطة ، وإيجاد الضمانات الدستورية التي من شأنها منع تركيز السلطة في المركز". طبقاً لما يراه الارياني.
ثمة حقيقة واحدة مؤكدة يمكن قولها في نهاية المطاف الذي ظل مهيمناً طيلة 33 سنة ، وهو أن النظام لم يأخذ السياسة إلا وفق مزاجه الشخصي ، الذي لا يقبل النظر إليها من باب أنها اقتصاد مكثف. فالسياسة ظلت لديه تأخذ حيز الأسبقية في الإنفاق ، في مقابل الهدر الذي تكبده الاقتصاد في كل توجهات النظام، وفي أجواء هذه الاحتجاجات المستمرة والمتسعة، ستكون كل المبادرات وكل الإجراءات الاقتصادية ضرباً من العبث ليس إلا ، ذلك أنها لا تستحق حتى مجرد النظر إليها على الاطلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق