التسميات

08 مارس 2010

فـقـاعة البورصة في اليمن

جلال يعقوب، وكيل وزارة المالية في اليمن. 2010 - الصورة: خاص


* محمد الحكيمي
يبدو السيد جلال يعقوب وكيل وزارة المالية اليمني، وهو يتحدث عن إنشاء سوق للبورصة في اليمن، كمن يؤذن في مالطا.
فالرجل الذي يوصف بلقب "رجل الإصلاحات" نتيجة انجازه لوثيقة الإصلاحات الاقتصادية التي سلمتها الحكومة اليمنية للوكالة الأميركية للتنمية أواخر ابريل 2007؛ ما يزال متحمساً بنوع من المقامرة، لإطلاق سوق للأوراق المالية خلال عام فقط من الآن.


لننسَى أمر الشفافية المفقودة لدى الشركات الخاصة والحكومية، ولنتحدث عن رحلة يعقوب، للوصول إلى سوق بورصة يمنية مهما كانت النتائج.

في مارس 2008، كان يعقوب وهو مدير مشروع سوق البوصة في اليمن، يتحدث عن ذلك السعي الحثيث لإطلاق السوق المالية التي تأخرت منذ الإعلان عنها رسمياً أكثر من 4 سنوات. وأن هذه السوق ستنطلق نهاية العام 2009. قال يعقوب حينها إنه "سيتم اختيار 9 شركات حكومية لتنفذ متطلبات (الحوكمة) تمهيدا لإدراجها في سوق الأوراق المالية".

كل ذلك الحماس الذي تحرك به الرجل أمر جيد. وما ليس جيداً هو الاستمات في إطلاق التصريحات والوعود التي لا تراعي الدقة. ويبدو الرجل غير منتبهاً لحساسية التأسيس لبورصة تفتقد إلى المصداقية في موعد إطلاقها، فكيف إذا سيكون مستوى التزامها للعملاء!

هل تتذكرون ما قاله مهندس هذه البورصة في الـ 15 من يناير الفائت عن موعد البورصة. لقد قال يومها: «وقعنا لتونا مذكرة تفاهم مع بورصة عمان. الأردنيون ساعدوا دولا كثيرة في إنشاء أسواق أسهم. سيأتون إلى صنعاء في نهاية الشهر لإطلاق المشروع".

لكنهم أتوا بعد شهرين من ذلك التاريخ، ولم يبرر الرجل سبب تأخرهم طوال هذا الوقت. وهو ما يقود إلى احتمال ترحيل مشروع هذه السوق، وتأخر إطلاقها أكثر مما نظن.

ما من بورصة في العالم، يمكن لها النجاح في بلد ينتهج العشوائية الاقتصادية، وتفر مؤسساته من فكرة اعتماد الشفافية، وتنشط فيه عدد من الشركات التي لا تفصح عن أسماء ملاكها المنضوين في الباطن.

إن فكرة قيام سوق بورصة في اليمن، لا تأتي لمجرد أن صاحب الفكرة لديه الطموح لذلك. فالبورصة ببساطة تعني انتهاج الشفافية، في حين أن غالبية الشركات في اليمن لا تحب الإفصاح عن أرباحها الحقيقية على الإطلاق.

لننظر إلى ما لدينا بالضبط: معظم أقسام الحسابات في اليمن (في القطاعين العام والخاص) ما تزال حساباتها دفترية. وهو نظام أصبح في ذمة التاريخ اليوم، وبقية الحسابات تتخذ أنظمة محاسبية متخلفة ومتباينة ومنها ما هو غير متطور أيضاً. ولكي نصل إلى سوق للمال في اليمن: يجب علينا توحيد الأنظمة المحاسبية في كافة الشركات التي ستعرض أسهمها تحت تداول السوق.

تبدو المسافة طويلة جداً من (وول ستريت) إلى صنعاء، بيد أن الحكومة تهرول نحو إطلاق سوق للأسهم خلال عام، تكراراً لتلك المغامرة ذاتها التي فشلت في تحقيقها وهي تهرول نحو الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، تاركة وراء ظهرها إصلاحات اقتصادية أهم تحتاجها اليمن بشدة.

كل ذلك ليس سوى رهانات مستحيلة لتحقيق منجز داخل فقاعة. فلا يمكن إنشاء بورصة لاجتذاب الاستثمارات الخليجية في ظل بيئة ما يزال تصنيفها حتى الآن ضمن الاقتصادات غير الآمنة، حتى لو تم تطميننا بأن البورصة المزعوم إنشاؤها هي مشروع مشترك مع الأردن.

قد يكون يعقوب ملهم هذه السوق هو الوحيد المؤمن بنجاحها، ويبدو أنه مُصر على اقناعنا بالقول: «لا نرى أن ذلك يخرج عن السياق. هذا مناسب جدا لحالتنا. سيتشكك الناس بالطبع إذا نظروا إلى الأمر على أنه مجرد إنشاء سوق للأسهم ولكننا نراه في إطار خطة إصلاح.. فلنبدأ فيها".

يوحي حديث الرجل وكأنه يفكر بخيالية شاعر ما دام مستميتاً على هذا النحو، وهو بعيد عن الواقع الراهن، والذي جعل مؤسسات العالم لا نتوقف عن تحذيرنا بفداحة ما ستصل إليه الأمور الاقتصادية.
ما هو مربك بالفعل هو اندفاع الرجل نحو الاعتقاد بأن "وجود بورصة في اليمن ستساعد على جلب الاستقرار في أبعد المناطق التي تغيب عنها التنمية والبنى التحتية وأولويات الاستقرار".

قد تكون قناعة كهذه أقرب للقول بأن الرجل يتحدث عن المريخ، وليس عن أكثر المناطق المهملة خارج أجندة الدولة، وفي حديثة لوكالة رويترز يقول يعقوب: «خذ مثلاً مأرب وشبوة كمنطقتين منتجتين للنفط. بعض الأفكار قد تكون طرح أسهم في بعض المناطق النفطية ثم بيع بعض تلك الأسهم بسعر مخفض للمواطنين في مأرب وشبوة".

في إشارة يعقوب تلك لما ستصبح عليه البورصة، فإن احتمالات غير مريحة يمكن استنتاجها حول إمكانية التحقق. ففي تلك المناطق بالذات مأرب وشبوة، لم تستطع الدولة فرض سيطرتها الكاملة، وما يزال تنظيم القاعدة يتواجد فيها. ولعل أكثر مشاكل التخريب لأنابيب النفط وتفجيرها، تجري دائما من قبل رجال القبائل في تلك المناطق.

على الأرجح، لن تجلب كل تلك الاحتمالات فرصاً للتحقق. ولعل الاستقرار سيكون آخرها، مهما اقتنع البعض بأن الناس سيكون لديهم حينئذ اهتمام بالاستقرار. وسيشاركون في تحمل المسؤولية.
ــــــــ
* نشرت المادة في جريدة "الشارع" الاسبوعية في صنعاء. هذا الاسبوع.

هناك تعليقان (2):

  1. تحية طيبة
    سمعت خير البورصة اليمنية قبل سنة وعن قرب افتتاحها واذكر انى ضحكت كثيرا من ه ذا الخبر .لست رجل اعمال ولا املك سوى راتبى فانا موظف .ولكن البورصة انهارت فى الكويت فى الثمانينات وقبل 2 سنة ف السعودية رغم وجود نظام اقتصادى مستقر وقوانين وشفافاية .فكيف فى اليمن .بما ان لا قوانين تطبق فى هذا البلد وتستطيع اذا لديك القدرة ان تتقطع فى الطرق بين المحافظات او تستغل وظيفتك او تقوم بعملية نصب كبيرة وتاكد ان هناك الف طريقة للخروج من هذه البلد بالاموال .
    لذا البورصة ستكون كارثة حقيقية على الاقتصاد اليمنى فى هذه الظروف وتخيل كم عملية نصب ستتم لعدم الشفافية بل ان نصابون دوليون قد يشاركون فى العملية
    شكر

    ردحذف
  2. للاسف انا كنت اعتقد انو في بورصه يمنيه وتفاجات الان انو ما في ؟يعني فعلا نحنا العالن الرابع بدال الثالث

    ردحذف