* محمد الحكيمي
هذه المرة .. الفساد ينتصر مرتين. وفي قصة مشروع طريق ( ذمار – الحسينية ) يبرز الفساد بصورة استثنائية مهيمنة طيلة سبع سنوات ، في حكاية طريق بدأ العمل فيه مطلع العام 2005 كي يتم انجازه في 2007 ، وبحلول العام 2009 سنكتشف أن المرحلة الأولى منه لم تجهز بعد، والنتيجة: اختصار طريق المشروع من مسافة 220 كيلو متر إلى 105 كم ، من قبل الشركة المنفذة له ،ويتم تعويضها مرتين أيضاً.
الكارثة أن وزارة الأشغال العامة والطرق وافقت على دفع تعويض جديد مقداره 6.5 مليون دولار لائتلاف شركتي "نوراك" التركية و"الرحاب" اليمنية ( وهما المقاول المنفذ لمشروع طريق ذمار- الحسينية )، وذلك في ظل اتفاقية تسوية ودية ثانية للانتهاء من تنفيذ المشروع في 14 أكتوبر القادم.
إنه نوع من الفساد المصرح به على مستوى رسمي فاضح ، فالمشروع الذي بلغت تكلفته في المرحلة الأولى 40 مليون دولار، كان يفترض له أن يكون جاهزاً في 2007 ، بيد أن الفساد ظل متحكماً في إطالة تنفيذ المشروع وفق أدواته الخاصة ، ودون توقف.
في 17 يناير 2008 نشر موقع الحزب الحاكم في اليمن " المؤتمر نت "، خبرا ً بعنوان " تسوية ودية تعيد الحياة لطريق ذمار – الحسينية " ومفاده : توقيع اتفاق في وزارة الشئون القانونية بين وزارة الأشغال العامة والطرق ومحافظة ذمار كطرف حكومي ، وشركة ائتلاف الرحاب للهندسة والمقاولات العامة المحدودة اليمنية وشركة توراك التركية للتجارة والمقاولات المحدودة كطرف خاص ، وقضى ذلك الاتفاق باستئناف العمل في المشروع ابتداء من اليوم التالي للتوقيع وهو الخميس 18 يناير من العام نفسه . جاء ذلك الخبر منوها بالقول : تنفيذاً لتوجيهات الرئيس علي عبدالله صالح ، بإنهاء الخلافات القائمة مع الشركة المنفذة لمشروع طريق ذمار – الحسينية واستئناف العمل في المشروع.
كان الأمر برمته يتم تنفيذا لتوجيهات الرئيس صالح ، وما هو أهم أن تلك الاتفاقية تضمنت تسوية ودية بين الأطراف وحل الإشكاليات التي واجهت العمل من النواحي الفنية والمالية وكان ذلك كله يتم تحت إشراف مباشر ومتابعة شخصية من قبل العميد احمد علي عبد الله صالح " قائد الحرس الجمهوري". كان دور نجل الرئيس ،القيام بالتوفيق فقط بين الأطراف المعنية وحسم الخلافات.
السئوال هنا : لماذا كان الرئيس ونجله مهتمين جدا ً بهذا الخلاف؟ الإجابة : لأن الأمر كان مبعث غضب كبير لدى أعضاء الحزب الحاكم في محافظة ذمار، وهم الذين تضرروا أيضا من تعثر العمل في هذه الطريق.
طبقا لخبر "المؤتمر نت " نفسه ، فإن أعضاء وكوادر المؤتمر الشعبي العام بمحافظة ذمار هددوا بتنفيذ مسيرة جماهيرية كبرى تنتهي باعتصام أمام دار الرئاسة بالعاصمة صنعاء مطلع يوليو من العام الفائت ، احتجاجا على تعثر مشروع طريق (ذمار – الحسينية) نتيجة عدم صرف المستحقات المالية للشركة المنفذة للمشروع.
و قد طالبت القيادات المؤتمرية في ذمار برسالة بعثتها للأمين العام للمؤتمر الشعبي العام بعقد اجتماع عاجل للجنة الدائمة والمجالس المحلية لمناقشة مشكلة المشروع الذي قالت أنه أصبح في " حالة احتضار".
كانت قيادة فرع المؤتمر بذمارتتحدث عن أسفها لما وصفته بمماطلة وزارة الأشغال وكأنها تتعمد " تطفيش " الشركة، منوهة في الرسالة المبعوثة إلى أن الشركة التركية (نوراك) المنفذة للمشروع أصبحت مدينة للعمال بمرتبات 6 أشهر، ولمحطات الوقود وتجار المواد الاستهلاكية بعشرات الملايين.
حتى الآن.. تبدو قصة الطريق غير واضحة الملامح ومبهمة. بيد أن ما حدث البارحة قد يميط اللثام عن جوانب عدة تفصح عن قصة هذا المشروع ، فمسودة الاتفاقية "النافذة والصادرة من مكتب وزير الأشغال العامة والطرق المهندس عمرالكرشمي بتاريخ 21 فبراير 2009 وبرقم 42 كشفت عن تعديل نطاق عمل المشروع المحدّد بموجب العقد ووثائقه الموقعة بين الطرفين في 14 أغسطس 2004 ، بحيث يشمل فقط المقاطع التي يعمل فيها المقاول التي يبلغ طولها الإجمالي حوالي 105 كيلو مترات فقط، في حين يكون المقطع المتبقي البالغ طوله حوالي 115 كلم خارج نطاق العمل الموصوف في العقد ووثائقه وللوزارة الحق في إيجاد الطريقة التي تراها مناسبة لتنفيذه.
تصوروا أن 115 كيلو متر من مسار هذه الطريق المتفق على تنفيذه بعقد مبرم ، أضحت منذ الأمس خارج نطاق العمل الموصوف ، وهذا يعني انتظار التنمية لأجل قد لا يكون قريبا ومن أموال وبنود جديدة ، تتجاوز بالضرورة ما تم صرفه للطريق ببند مخصص كان معتمد ثم غض الطرف عنه بكل هدوء.
فالاتفاقية التي اختصرت الطريق لأجل إرضاء شركة الرحاب - وهي المملوكة للمهندس أحمد صوفان القيادي البارز في الحزب الحاكم - نصت أيضا ًعلى قيام الوزارة بالحصول على الموافقة لتطبيق قرار مجلس الوزراء رقم 7 لسنة 2006 للمشاريع الممولة خارجياً على جميع أعمال المشروع بعد تاريخ 21 يوليو 2005، وقيام الوزارة بتقديم صرف الدفعة الثانية ونسبتها 30% من قيمة مبلغ التعويض الذي تم الاتفاق عليه في اتفاقية التسوية الودية الأولى الموقعة في 19 فبراير 2008 تصرف عند توقيع الاتفاقية بشرط أن يتم استخدام مبالغ كافية منها لصالح كل من "مصافي عدن" و"شركة النفط الوطنية" لتأمين ما يحتاجه المشروع من مادة الإسفلت الخام والمحروقات اللازمة لاستكمال تنفيذ أعمال الإسفلت في المشروع.
ومع ذلك كله ، ستقوم وزارة الأشغال العامة والطرق بإطلاق الدفعة الثالثة ونسبتها 30% من قيمة مبلغ التعويض وذلك عند استكمال المقاول تنفيذ الـ 25 كم الأولى من أعمال الإسفلت مقابل ضمان بنكي غير مشروط من بنك محلي توافق عليه الوزارة ، يكون صالحاً لغاية استكمال المقاول تنفيذ تلك المسافة من طول الطريق.
كانت وزارة الأشغال قبلها، قد دفعت للمقاول مبلغاً إضافياً مقداره مليون و302 آلاف و188 دولاراً لدى تطبيق قرار مجلس الوزراء الخاص بالإصلاحات السعرية رقم 7 لسنة 2006، على الأعمال المنجزة من قبل المقاول حتى إعداد التسوية الأولى، وبذلك ترتفع تكلفة تنفيذ مشروع طريق ذمار- الحسينية من 38 مليون و104 آلاف و397 دولاراً إلى 45 مليون و906 آلاف و585 دولاراً. وقد دافعت وزارة الأشغال بشدة عن قراراها بتعويض المقاول تحت مبرر: "حرصاً منها على استمرار تنفيذ المشروع وعملاً بتوصية استشاري المشروع بأفضلية إعداد تسوية ودية جديدة بدلاً عن قيام الوزارة بفسخ عقد استخدام المقاول لتنفيذ المشروع وقيام المقاول باللجوء إلى التحكيم في مطالباته بالتعويض والمسائل المتنازع عليها".
يبدو التباين هنا في ما قامت به الوزارة ، حيث اتهمت "الأشغال" المقاول بأنه "عمل كعادته على التقدم بمطالبات التعويض مع رفض قرارات المهندس بخصوص عدم قبولها وتوضيح رغبته بعد ذلك باللجوء إلى التحكيم بصددها ،وذلك في محاولة لتبرير عدم قدرته على الالتزام بالشروط التي وردت في الاتفاقية والتأخير المستمر في إنجاز الأعمال ما دفع بالوزارة إلى توجبه إنذار إلى المقاول بضرورة تحسين مستوى أدائه وبخلافه سيتم فسخ عقد استخدامه لتنفيذ المشروع".
في نهاية المطاف لم يكن بحوزة "الأشغال" سوى هذه الإفادة الأخيرة وهي : أنها سوف تباشر بإجراءات الإعلان عن مناقصة جديدة لتنفيذ الجزء الممتد بطول إجمالي حوالي 115 كم ، وذلك بالتنسيق مع وزارتي التخطيط والتعاون الدولي والمالية والجهة المموّلة للمشروع، والعمل مع المقاول على الإسراع في تنفيذ جزء المشروع المتبقّي بعهدته وفقاً للفترة الزمنية التي تم الاتفاق عليها في اتفاقية التسوية الودية الجديدة، ويالها من تسويات غير عادلة ، كونها تصب في الأخير لصالح الفساد وحسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق