التسميات

21 فبراير 2011

مَـن مـنهـم يقول الحـقـيـقـة ؟


*الرئيس صالح والوزير العيدروس والمهندس الحميدي
* محمد الحكيمي
لم يجلب النفط لليمنيين سؤى الجحيم وحسب ؛ فمنذ عشرين عاماً تأتي الشركات الأجنبية المستكشفة والمنتجة وتذهب ،والاقتصاد اليمني ما يزال اقتصاداً هشاً يدفع البلاد لشق طريقها بصعوبة.بيد أن ما يثير الجدل الحقيقي هو التصريحات الرسمية التي تتحدث عن الإنتاج اليومي للنفط ، فكثيراً ما تظهر تصريحات المسئولين كم أن هناك بون شاسع..فالحديث عن الأرقام الحقيقية لكميات النفط المستخرج يومياً من البلاد ما يزال خارج نطاق المعرفة الشعبية.

لكن المسألة تبدو وكأنها تتعدى معرفة مجلس الوزراء، أو وزارة النفط والجهات المختصة على حد سواء، ذلك أنها ما تزال حتى اليوم خط احمر سياسياً. ولن يكون بوسع البيانات والدراسات الجيولوجية التأكيد على واعديه النفط أو نضوبه، أكثر من القرار السياسي.
لندع الدراسات الجيولوجية جانباً ، ولنتحدث عن تـنطعات الأرقام الرسمية المتعلقة بكمية الإنتاج النفطي .. فتعقب ذلك يفصح عن تناقضات جمة بين ما يقوله رئيس البلاد ، وما يدلي به وزير النفط بخجل شديد ، في حين أن الأرقام السحرية التي يحملها التقرير السنوي للبنك المركزي اليمني لا علاقة لها بما قد يعلنه الرئيس أو الوزير.
أنظروا إلى تناقض التصريحات عن كميات الإنتاج ، فالرئيس علي عبد الله صالح أعلن في صباح الـ27 من ديسمبر 2010 ، عن آخر الأرقام الرسمية . كان ذلك أثناء الجلسة الختامية للمؤتمر السنوي العاشر لقادة القوات البحرية ، حين رد الرئيس على من يتساءلون عن مصير ثروة البلاد النفطية بالقول : " نقول للذين يتقولون عن الثروة النفطية وأين تذهب ، أن كل إنتاجنا من النفط هو 370 ألف برميل يوميا مناصفة بين الدولة والشركات الأجنبية العاملة، وهي كما ترون إمكانيات شحيحة مقارنة بالتزاماتنا".
إذن .. لدينا 370 ألف برميل نفط يُنتج يومياً، طبقاً لما أعلنه الرئيس ، وهو احدث الأرقام المتوافرة عن إنتاجنا النفطي حتى الآن ..بيد أن هذا الإنتاج لم يكن يوماً ما مطابقاً لكل تصريحات وزير النفط أمير العيدروس ، طوال العامين الماضيين.
قد يتطلب الأمر أخذ نفس عميق ،لاستيعاب الأرقام التالية : فالوزير العيدروس ( وهو دبلوماسي سابق يشهد له كثيرون بالكفاءة والنزاهة) قال أثناء افتتاحه للمؤتمر الثالث للنفط والغاز والمعادن، صباح الـ18 أكتوبر 2010 ، وهو يتحدث أمام 75 شركة عالمية وإقليمية حضرت المؤتمر : "  أن اليمن يملك العديد من المناطق التي يتواجد فيها النفط، غير أن التركيز على حوضي السبعتين والمسيلة التي وصل إجمالي إنتاجهما اليومي 450 ألف برميل، أثر بشكل كبير على استثمار تلك المناطق".ولعل هذا الرقم هو أحدث ما تم ترديده من قبل وزارة النفط في نهاية 2010.
في العام ذاته .. كان العيدروس يتحدث في مقابلة صحفية بثتها وكالة (رويترز) في 6 أبريل الفائت، كمن يطرح الأرقام بلغة التوقعات أو التكهن. قال الوزير :" أن إنتاج النفط اليمني في 2010 من المتوقع أن يصل ما بين 280 ألف إلى 300 ألف برميل يوميا".
لم ينتبه العيدروس أثناء مقابلته الصحفية تلك ، أنه هو الوزير ذاته الذي أعلن لـ(رويترز) في 19يناير 2010 :" أن إنتاج اليمن من النفط في 2010 سيزيد بنسبة 10 بالمائة إلى أكثر من 300 ألف برميل يوميا مقارنة مع قرابة 287 ألف برميل يوميا العام 2009".
وقبل ذلك بشهور .. كان الوزير العيدروس يعلن بنوع من التفاؤل في 19 أغسطس 2009:" أن إنتاج النفط الخام خلال عام 2010، سيكون مستقراً وربما يرتفع قليلاً ليتراوح بين 290 و 300 ألف برميل يوميا.
 كل شيء يبدو مربك حتى الآن ، فالتصريحات المتباينة  لا تمنح المتعقب غير حكاية متذبذبة يتجاذبها حديث من الخفض والرفع لا يكاد يتوقف ، لكن وزارة النفط والمعادن قررت في سبتمبر الفائت رفع إنتاج النفط وتوسيع الاستكشافات ، وإدخال قطاعات نفطية جديدة قالت أنها واعدة كأبرز أولوياتها في المرحلة المقبلة،وحدث أن استدعت الوزارة عدداً من الشركات النفطية العاملة في القطاعات التي ترى أن مخزونها يمكن رفعه.
قال الوزير العيدروس حينها : " أنا أعلن الآن أننا قررنا رفع إنتاج النفط بشكل مدروس وواقعي وليس بطرق عشوائية ".
ما يمكن يقوله الوزير يعني أمراً واحداً ومؤكد وهو : أن رفع إنتاج النفط طيلة الأعوام السابقة لم يكن بشكل مدروس وواقعي ، بل كان بطرق عشوائية.. ثم أرُيد له الآن أن يكون عكس ذلك.
ولكي يبدو إعلان الوزير جاداً هذه المرة ، سارع رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط المهندس نصر الحميدي  بتعزيز تلك الرواية في الأسبوع الفائت ، حيث أعلن الحميدي في تصريح بثته صحيفة (الحياة اللندنية) صباح الثلاثاء 15 فبراير الجاري ، عن ارتفاع مفاجئ لمخزون الاحتياط النفطي للبلد إلى 11 مليار برميل، وارتفاع احتياطات الغاز إلى 18 تريليون قدم مكعبة.
هل بمقدور أحد تصديق ذلك . تصديق أن الاحتياطي النفطي الذي أعلن عنه آخر مرة بحوالي 3 مليارات برميل ، ثم تردد الأمر أنها وصلت إلى 10 مليارات برميل ، ثم يتم الإعلان عن الاحتياطات النفطية لتصبح 11 مليار برميل ، لاحظوا أنه لم يتم الإفصاح بشكل علني عن نتائج تقييم الاحتياطي اليمني الذي تنافست عليه 10 شركات عالمية قبل شهرين ونصف ،فلم يسمع أحد نتائج المناقصة المنظمة التي تمت المصادقة عليها من قبل المجلس الأعلى للنفط.
من الواضح جداً أن الحديث الرسمي عن الأرقام النفطية ليس أكثر من مجرد تنجيم ، وهو في ذات الوقت يكشف عن بلد خال ِمن الشفافية التي تدعيها الحكومة ، فبمجرد النظر إلى تقرير البنك المركزي اليمني للعام 2009 ، يتضح إنتاج آخر للنفط لا علاقة له بما سبق ذكره ، فتقرير البنك المركزي جاء بمعلومة طريفة تفيد : أن اليمن منتج صغير للنفط يتراوح إنتاجه حالياً بين 300 ألف و320 ألف برميل يوميا بعد أن كان تجاوز 400 ألف برميل يوميا في السنوات السابقة. وعزا التقرير كعادته السنوية تراجع العائدات النفطية نتيجة ضعف أسعار النفط العالمية.
ماذا لو افترضنا من كل هذه التباينات ، أن معلومات الثروة النفطية ليست لدى البنك المركزي أو وزارة النفط أو هيئة الاستكشاف والإنتاج ذاتها، وأنها الأرقام المؤكدة ما تزال قيد الاحتكار لدى شركات النفط والاستكشاف الأجنبية المسيطرة على القطاعات والقصر الجمهوري ، وفقاً لما تقتضيه السياسة النفطية.
لكن ذلك لوحده لا يعد مسوغاً كافياً لأن يتم الإعلان تارة عن تراجع سريع لإنتاج النفط  كما حدث في ديسمبر 2010، وبعد شهور يحدث ارتفاع تارة أخرى.
هل تتذكرون ما حدث في 19 فبراير 2005 ، حين أعلن الرئيس صالح في افتتاح الدورة الرابعة للجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام ، أن احتياطات النفط المكتشف ستواجه النضوب في 2012. كان الرئيس حينها يتحدث بنوع من التحذير، وهو يوجه الحكومة بإيجاد البدائل التي تغني عن الاعتماد على الثروة النفطية ؛ و الحكومة هي أيضا كررت الأمر ذاته حين أعلنت قبل شهرين أن توقعات إيرادات النفط تشير إلى تناقص مستمر في كميات الإنتاج عاماً بعد آخر.
وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية ، يحتل اليمن المرتبة 36 في قائمة البلدان المنتجة للنفط بإنتاج يبلغ 281 ألف برميل يوميا حتى نهاية 2009 ، مقابل 300 ألف برميل في 2008 وبانخفاض من ذروة بلغت 457 ألفا في 2002. وتقدر الإدارة الأميركية احتياطيات اليمن المؤكدة بنحو ثلاثة مليارات برميل.. لكن إدارة الطاقة الأميركية تعتمد على شركاتها وعلى تقارير التنجيم التي تصدرها الحكومة اليمنية.
الخبراء المحليون هنا .. يقولون عكس ذلك ، فوزير النفط الأسبق رشيد بارباع أكد في دراسة حديثة أعدها عن تقييم المؤشرات الإنتاجية للنفط والغاز في اليمن : أن هناك الكثير و أن حجم احتياطيات النفط اليمني الثقيل كبيرة نسبياً، كما أن اليمن تعد أول دولة منتجة للنفط والغاز من مكامن صخور الأساس في المنطقة وإمكانية الحصول على النفط من هذه الصخور ما زال كبيرا طبقا لدراسة بارباع، فالرجل يذهب بحقائق علمية إلى وجود نوع آخر من المكامن في اليمن غير المألوفة في طبيعتها الجيولوجية وهي تراكيب كربونية تتكون من الشعب المرجانية المتحجرة والمشبعة بالمسامات.
يقول بارباع : " لقد تم في عام 2001‏م اكتشاف حقل نفطي في الشعب المرجانية عند حفر بئر (عقبان – ا) في قطاع مالك قي حوض سيئون - المسيلة، ووجد من خلال التحليل ‏بان الطبقات الحاوية على النفط هي من الحجر الجيري– الشعب المرجانية (العصر الجيوراسي) وهو ما يقود لإيجاد الكثير.. ويبدو أن ما يقوله الرجل منطقي للغاية ومطمئن.
لعل ما ينبغي التنبه له برغم عشوائية القطاع النفطي هو ما سيحدث في  العامين: 2011م و2015 و‏هي أعوام نهاية فترة اتفاقيتي المشاركة في الإنتاج بين الدولة وكلاً من : شركة كنديان نكسن قطاع (المسيلة) وشركة توتال قطاع (شرق شبوه) وشركة دوف في قطاع (شرق سار) في حضرموت على التوالي.
فانتهاء تلك الاتفاقيات، يعني إدارة اليمنيين لنفطهم وهذا مكسب،  وما تقتضيه الضرورة هو الإسراع في وضع برنامج زمني لترتيب ما سيؤول لأصحابه، وهو ما يتطلب اختيار الفريق الجيد الذي سيشغل المناصب الإدارية العليا في تشغيل تلك القطاعات.
قد يكون ذلك هو الجزء الجيد من الحكاية ؛ لكن من سيضمن أننا سنجد من يقول الحقيقة. حتى أن رجلاً مثل الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر (والذي ينظر إليه البعض كشريك في السلطة) لم يكن يعلم شيئاً ، فقد قال قبل وفاته بسنوات : أن السؤال عن كمية إنتاج النفط في اليمن يثير حنق السلطة. 

هناك 4 تعليقات:

  1. ما أروعك يا حكيمي..
    لا أخفيك بأنك كل يوم تدهشني أكثر وتستبيح مكانت أوسع في القلب...

    ردحذف
  2. صديقي العزيز جداً .. محمد
    أشعر بالارتباك من حروفك التي أجد نفسي عاجزاً عن الرد عليها .. كلماتك بالنسبة لي شهادة كبيرة أعتز بها وأفتخر.
    ممتن لك للغاية .. ممتن لقلبك الكبير.

    كن بخير .. ولك أسمى اعتباراتي.

    ردحذف
  3. رائع جدا فعلا الموضوع يحتاج الى الكثير من التركيز والبحث فيه ؟؟؟استغرب انا من تجاهل الاقتصاديين الكبار لمثل هكذا موضوع ..هل هو هيبة السلطة ام ماتدفعه لاسكاتهم؟؟؟

    ردحذف
  4. السيد محمد الحكيمي
    الرقم 370 لم يحدد التاريخ له وإن كان قيل في التاريخ الذي ذكرته.
    الرقم 450 قيل أن الإنتاج وصل للحوضين ولم يحدد تاريخ الوصول وقد يكون وصل في السابق وليس العام 2010.
    الرقم 300و280 ربما هو الأقرب للصح وامكانية تجاوز 300 لتوقع الزيادة كناتج للتطوير أو توقع دخول شركة ما إستكشافية في مرحلة الأنتاج.
    كما أن التصريح ليس فني بحت وفية شيئ من التقريب وعدم الدقة.

    ردحذف