التسميات

26 أكتوبر 2009

لطف الصراري : ينقص الصحافة في اليمن قيادة سياسية غير متوترة



يتحدث الزميل والكاتب لطف الصراري وهو مدير تحرير صحيفة ( حديث المدينة ) الصادرة من تعز، ببساطة عميقة سرعان ما تشد الانتباه ، وهو من ألقلائل الذين يملكون لغة فخمة بالرغم من انتزامها بطبيعة الأعراف المهنية ، في مضماري الصحافة والأدب . فليس بمقدور أي صحافي متمرس ، الدخول في كتابة نص أدبي لمجرد المجازفة ، وربما احتمل الأمر العكس ذاته ، وبعيداً عن امتلاك البعض لتقنيات السرد واللغة ، ومهارات الكتابة في مضمارين مختلفين ، يبدو الصراري ( 34 عاماً ) شخصاً لايحب المقارنات . وفي نهاية الأسبوع الفائت ، كان الصراري متواجداً في العاصمة صنعاء ، للاحتفاء الذي أقيم من أجله في حفل توقيع مجموعتة القصصية الأولى : ( كمن يدخن سيجارة طويلة بنفس واحد ) والذي نظمته مؤسسة العفيف الثقافية ، وقد تحدث الزميل لطف الصراري لمحمد الحكيمي عن رؤيته الشخصية للكتابة ، وعن ما ينقص الصحافة في اليمن وأشياء أخرى..هذه مقتطفات :
ما بين عملك كصحفي وكاتب نصوص أدبية .. أين تجد لطف الصراري أكثر ؟
غالباً لا أفكر بالمكان / الموقع الذي أجد نفسي فيه لأن ذلك يحاصر خياراتي ويجعلني عرضة للتصنيف، لا أحب التصنيف لأسباب تتعلق بانعكاس ذلك على استخدام مهاراتي وعندما يأتيك تصنيف واحد كأديب مثلاً أو كصحفي .هذا يفوت عليك الكثير من فرص استكشاف ذاتك . ربما يقرر الآخرون أني " كاتب نصوص " أو " صحفي " لكني لا ألزم نفسي بأي تصنيف ، وأشعر فعلياً بالاختناق حين أوافق على تصنيف معين سيرافقني، لسنوات قادمة ستنضج في رأسي عداً أو تكون قابلة للكتابة في سياق مقروء ، سواءً مشهد روائي أو قصصي أو مقالة صحفية أو تحليل . وما أهتم له هو احترام التصنيف او التجنيس بالاصح ، فيما يخص المادة المكتوبة مع اعطاء رؤيتي هامشاً عير متواطىء مع السائد ، ليس لأن المغايرة هاجس مفرغ بل لآن معطيات الزمن الذي أعيش فيه تختلف عما كانت عليه قبل عشرين سنة مثلا، ناهيك عن عشرات السنين.
لذلك فالحديث عن موقع محدد أجد نفسي فيه يبقى مرهون بالمتغيرات من ناحية، وبالموقف الذي أحدده منها، هذا يساعدني على اختيار النسق المعرفي الذي أرى وأكتب من خلاله.
تأتي الكتابة إجمالا كمؤسسة اجتماعية مؤثرة على عدة مستويات.. أيها برأيك أكثر مقدرة على إيصال ذلك لتأثير.. الصحافة أم الأدب؟
الكتابة كمؤسسة بصرف النظر عن كونها اجتماعية أو سياسية أو مدنية، العبارة المكتوبة في اليمن تعاني من ثقل البنى اللغوية الجاهزة وكثافتها في معظم النصوص المكتوبة سواء كانت هذه النصوص مناهج دراسية أو كتابة إبداعية أو نصوص قانونية. حاول أن تقرأ نماذج من القوانين اليمنية وكتب الاقتصاد والعلوم التطبيقية، وإذا تحدثنا عن الصحافة والأدب كما أشرت في السؤال، هناك شحة في الأقلام التي تحاول تحرير العبارة المكتوبة من عبء الجاهزية، لكن الصحافة الجديدة التي ظهرت، حسب متابعتي، ما بعد الـ2000 استطاعت استيعاب العبارة الحداثية التي كانت غير مرحب بها في الصحافة التقليدية.
هذا دفعني للكتابة الصحفية لأن الفارق بين حكاية أدبية وقصة صحفية ليس كبيرا من حيث التقنية وزاوية التقاط الحدث.
لا أستطيع التحدث عن الكتابة كمؤسسة اجتماعية لأن ذلك يفترض وجود مشروع متفق عليه ضمنيا بين المؤسسات المهتمة بالكتابة، صحافة، إتحاد كتاب. مشروع معرفي وليس ثقافي، يشتغل بأدوات تحرير الخطاب السائد في عملية التفكير من مقاومته للانفتاح على تجريب عمليات ذهنية جديدة.
هذا الاشتغال كي يكون مؤثرا، يتطلب تقليص الفجوة تدريجيا بين عمليات التفكير وفق "الثوابت" وبين ما ينبغي أن يكون العبارة المكتوبة لهذه العمليات، بمعنى أن الاعتناء باللغة الصحفية أو الأدبية في طليعة أدوات تحرير الخطاب من داخله، بالاعتياد على سياقات لغوية متخففة من "العنف"، "الثورة"، "الكراهية"، "التمرد"، "النضال"، تخفيف اللغة من الإنشاء بدفعها باتجاه تراكيب وظيفية أكثر. ينسى الناس ما قرأوه قبل 5 سنوات أو عشر سنوات إذا مارسوا قراءة مختلفة. هذا يمكن أن يحدث تأثيرا غير ملحوظ بحد فاصل، لذلك أميل للعمل في الكتابة ضمن مشروع وليس مؤسسة، مشروع له روافده من نتاجات معرفية مستمرة ومتنوعة. التأثير الآني تجيده الكتابة الحماسية أو العاطفية، وهذا أسوأ دور يقوم به كاتب، لأن الحماس ينهك المتلقي بحيث لا يستطيع الاستمرار في الانضباط المثالي الذي طرأ عليه، وعوضا عن ذلك يشعر بعدم قدرته على تحمل القيم المثلى، سرعان ما يفقد تأثره ويحاول تعويض التنازلات التي قدمها. رفع سقف القلق المعرفي وقراءة الأحداث هو ما ينبغي العمل عليه لإحداث تأثير مدعوم بالتراكم وليس بالآنية.
هل شعرت من خلال عملك أن الصحافة قدمت شيئا أو صنعت فارقا في اي شيء؟
برأيي أن أي عمل لا بد أن يكون له تأثير، وبشأن الصحافة أعتقد أنها قدمت شيئا، وهذا رأيي حتى قبل أن أشتغل بالحقل الصحفي، ومن خلال عملي فيه ألمس ما يمكن أن يفعل مقال أو خبر أو تحقيق صحفي.
حتى الصحافة التقليدية والرسمية عندما تتبنى بعض القضايا بمعزل عن النكاية تنحج في إحداث تأثير. كانت الصحف الجديدة كالنداء، الشارع، الوسط، التجمع، وغيرها بدأت في إحداث مناخ صحي من حيث سقف التناول وتغطية الأحداث السياسية والقضايا المطلبية، ترافق هذا مع نشاط حقوقي ظل يمضي بالتآزر المتبادل مع حضور الصحافة وكلاهما فتحا أفقا لتصور جديد يمكن أن تبنى عليه طريقة حياة أفضل لليمنيين حتى أولئك المتحفزين يصلافة وعنف إزاء التغيير الجوهري في الحياة، وأقصد المؤسسات الأمنية والعسكرية، الدينية والقبلية، بما بينها من تآزر محبط للكثير من محاولات تمدين مظاهر الحياة اليومية.
هذه المؤسسات يؤسفني كونها أبرز ما لدى اليمنيين من مؤسسات مؤثرة، لا تفكر بمدى إمكانية بقائها في الوقت الذي يتوسع صراعها الداخلي. لكن الريبة من المؤسسات والمنظمات المدنية والانزعاج من الصحافة الأهلية والمستقلة مؤشر واضح للتأثير الذي أحدثته.
الهيستيريا التي أصيبت بها الحكومة ولا حقا سعار العنف الرسمي، أمنيا وسياسيا، بدءا بمنع صدور الصحف في أوائل مايو من العام الحالي واستمرار اعتقال الصحفيين، ومحاكمتهم طويلة الأمد، ومؤخرا وصول العنف إلى الإخفاء القسري للصحفيين، كل هذا يؤثر سلبا على دور الصحافة، لكنه ينبه الصحفيين إلى ضرورة تأهيل خبراتهم ومهاراتهم الصحفية انطلاقا من الوضع الذي هم فيه. الأمر في غاية الصعوبة لكنه ضروري للحفاظ على ما أنجزته الصحافة الجديدة، تحديدا، من تراكم توعوي خلال أقل من عشر سنوات، هذا حافز للاستمرار.
ما الذي تراه ناقصا أو مفقودا في صحافتنا إجمالا؟
عدم الاكتمال وارد باستمرار بسبب استمرارية التغير لكن النقص الحاد موجود في قلة الاهتمام برفع سقف التلقي لدى قراء الصحف.
الكثير من الصحف تعمد إلى إثارة انتباه القارئ بعناوين وأخبار الغرض منها اكتسابه كزبون وليس كقارئ، وفي ذات الوقت يغفل التركيز على ما تحدثه العبارة المثيرة من استفزاز لاشعوري لذائقة القارئ، هذا يصيبه بالتوتر، وسواء كان القارئ مواطنا أم مسئولا في القيادة العليا للبلد، ذات الاستفزاز يحدث وذات التوتر يسحب نفسه على القرار اليومي لكلا النموذجين.
أعرف أن الرئيس علي عبدالله صالح والسلطة السياسية يحملون الصحافة المستقلة والأهلية مسئولية تفاقم الاحتجاجات في الجنوب حتى وصلت المطالب إلى الانفصال، لكن إذا تحدثنا بشكل جوهري عما ينقص الصحافة في اليمن سيكون النقص الجوهري: قيادة سياسية غير متوترة، ولا تعالج الخطأ بالجريمة. لا يعقل أن كل ما يزعج الرئيس أو الحكومة أو وزير الإعلام من التناولات الصحفية يواجه كتابها بتهم سياسية أو بإخفاء قسري. ليست الكتابة ضد الحرب في صعدة أو تغطية أحداثها جريمة يعاقب عليها بالإعدام، هذا حسب الدستور والقوانين اليمنية.
يقال أن اليمن بلد خصب للمادة الصحفية نتيجة التباينات الشديدة التي تتواجد في مجتمع يتصارع فيه الجديد والقديم وينموان معاً ! كيف تجد ذلك ؟
في أي مكان يجد الصحفي مادته المتميزة مادام متفهماً للاجراءات المهنية ونابهاً في اقتناص فرصة . لا أرى اليمن خصباً للمادة الصحفية وحسب ، هو خصب أيضاً للمادة الادبية والعلمية ، خاصة فيما يتعلق بالعلوم الانسانية . ليست التباينات بين القديم والجديد هي ما تصنع ثراء المادة الكتابية ، التباينات بحد ذاتها ثراء ، لكنها في اليمن وصلت لدرجة التعقيد الذي يجعل الكاتب اما مشوشاً بعدائية أو معزولاً بارتخاء عن الاحداث المفصلية التي تغير حياته للاسوء دون ان يشعر. الحالة الثالثة للكاتب والتي تحدث بالتوازي مع الحالتين السابقتين ، تعمل في حالة تسامح يصل الى درجة التواطؤ ضد قناعاته . وهي حالة مخيفة لأنها تعمل بأقصى طاقة لترويض وهم التسامح والتصالح ، وتعزيز وهم السيطرة على الوضع لدى السلطة السياسية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق