مدير عام مؤسسة السعيد، فيصل سعيد فارع. تصوير: جاود |
يبدو الحديث عن التأثير الثقافي لمدينة
تعز اليوم، ناقصاً، دون استدعاء دور مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، بشكل رئيسي ومؤثر
دون تجاوز. بيد أن الحديث عن دور مؤسسة السعيد المعرفي، يعني الحديث عن الرجل الذي
قاد هذا التحول طوال عقد ونصف منذ انشائها في العام 1996، وهو مديرها العام السيد فيصل
سعيد فارع. وهو الأمر الذي يؤكده سجل المشهد الثقافي اليمني الآن.
لا يعرف الكثيرين متى أنشأت أول مكتبة ثقافية
عامة في المدينة التي أفرزت فكر الثورة والايدولوجيا، وعرفها الناس باعتبارها معقل
الحركات المتباينة. لكنهم اليوم يستعيضون ذلك التساؤل بالتلميح إلى مكتبة واحدة، تتبع
هذه المؤسسة.
ولعل هذه المؤسسة تعد المنجز الحقيقي الأبرز
الذي تحقق لمدينة لم تعد في قائمة الصدارة اليمنية كما كانت عليه قبل عقدين من الزمان.
وهو ما يمكن اعتباره أرقى الاستثمارات التي أنشأتها الرساميل الوطنية، وهي مجموعة هائل
سعيد انعم، كونه استثمار يصب لصالح الأجيال اليمنية المتعاقبة.
يمكن القول من باب الإنصاف أن هذا الاستثمار
الثقافي الذي تكلل بنجاح في هيئة مؤسسة ثقافية صارت تعمل اليوم على منوال دولي، ما
كان لينجح ويبرز بكل هذا التنوع الثقافي الذي تزخر به السعيد، لولا جهود هذا الرجل
الذي تولى مهمة تأسيس هذا الصرح، بعقلية نيرة تبتعد عن صراع السياسة، وتحتفي بالتنوع.
ويبدو لي أن ميزة ما صنعته السعيد طيلة
12 عاماً وحتى الآن، يكمن في قدرة مديرها على احتضان كافة الأفكار المتباينة والأيديولوجيات
المختلفة تحت سقف واحد، وجعل كافة الاطياف الفكرية تلتقي لأجل الثقافة وليس أقل من
ذلك، في صورة يندر وجودها في مؤسسات محلية عدة تعمل في ذات الاختصاص.
فكثيراً جداً ما تقع المؤسسات في دوامة
الشخصنة والاحتساب والتسيس. لكن ذلك لم يحدث في السعيد. وهو ما يؤكد أن رصانة المؤسسة
التي تبنت هذا التنوع لا يكمن في عين مديرها فقط، بل في عقله.
واليوم، يحاول فيصل سعيد من موقعه كمدير
عام للمؤسسة، الاحتفاظ بقيمة التنوع الذي استطاع جلبه لمنتدى السعيد والإبقاء عليه
دون احتكار أي فئة مؤدلجة، حتى أضحت قاعة هذا المنتدى ساحة تتحدث فيها كل التيارات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية بشتى اختلاف توجهاتها المتباينة في اليمن.
وهي قيمة تحسب للرجل الذي عُرف كمثقف استطاع
لعب أدواراً مهمة في الحياة الثقافية اليمنية. أكثر من احتسابه نشاطاً امتازت به أحد
البيوت التجارية في البلاد. فكثيراً ما يبتعد رأس المال عن الايديولوجيا حتى لا تؤثر
هذه الأخيرة على نشاطاته وأعماله التجارية.
لننظر مثلاً الى ما يمكن اعتباره دفاعاً
عن التنوع، ففي حفل جائزة المرحوم هائل سعيد انعم للعلوم والآداب، والتي تقام في نهاية
ابريل من كل عام، تدعو المؤسسة كافة النخب اليمنية المثقفة دون استثناء، وفي الاحتفال
الأخير للجائزة هذا العام 2010، تكررت صورة ما حدث في العام الفائت تماماً. إذ لاحظ
الصحفيين والضيوف كثافة الحضور لجماعة السلفيين والتي تعمدت إزعاج الحاضرين بالحفل
من خلال فرض منطقها بضجيج تعتقد أنه فعل صائب، وهو تنامي لتيار "وهابي" بدأ
يهيمن في بيئة مدينة ثقافية اشتهرت بالاعتدال والوسطية الدينية وتقبل الآخر واحترام
رأيه. وفي هذا السياق يتحدث البعض عن توجه رسمي لنمو هذا التيار وفرض قناعاته على
الحياة اليمنية. ولعل الكثيرون تفاجئوا في المساحة التي حظيت بها الجماعة في أجنحة
معرض تعز الدولي للكتاب 2010 الذي أقامته مؤسسة السعيد.
كان عدم الرضى لهيمنة تلك الجماعات السلفية،
واضحاً على وجوه الحاضرين، وعلى وجه مدير السعيد، ولعل الكثيرون لا يتمنون تكرار ذلك
التمييز مرة أخرى.
سيقول لك مدير عام مؤسسة السعيد: أن "مؤسسة السعيد باتت معقلاً
لكل الثقافات المتنوعة والمتباينة، وأنها تراعي كثيراً خصوصية التنوع وترفض احتكار
قناعة واحدة تسود دون أخرى. وهو الأمر الذي يجعل من تعز مدينة مثيرة للانتباه".
ولو سألته عن نصيحة ما يود قولها سيخبرك
مدير السعيد: "بأن على مثقفي تعز الانفتاح أكثر إذا ما أرادوا لهذه المدينة صنع
فسيفساء حضارية تزدهر على الدوام".
واليوم يمضي فيصل السعيد، بنوع من التفاؤل
في اتجاه انفتاح المؤسسة على مؤسسات الخارج لإضافة تنوع جاد لم يكن حاضراً من قبل،
وهو ما سيمنح تعز مرونة تتجاوز فيها المدينة الفتور القائم في المجال العام.
ما علينا فقط سوى الانتظار قليلاً لمشاهدة
التحول الذي سيصنعه مدير مؤسسة السعيد،
وهو في طريقه إلى ذلك.
ـــــــــــــــــــــ
× مقالة
لكاتب المدونة، نقلا عن مجلة الاستثمار. العدد 33. فبراير 2010.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق