التسميات

08 مارس 2014

المتسولين .. ضحايا استغلال وفساد حكومي

متسولة في نفق الستين في صنعاء- خاص
* محمد الحكيمي
ليس بوسع طفل تحمل ظروف الحياة السيئة أكثر من "سمير"؛ فمن قساوة والده المجرم والمدان بجرائم السرقة، وإختفاء أمه بعد طلاقها، عاش "سمير" أيام مريرة، حُرم من التعليم، وأجبر على العيش في الهامش.


"سمير" وهذا ليس أسمه الحقيقي، هو طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر. اضطر للتسول في الشارع قبل 4 سنوات، وهو اليوم يعد واحداً من بين 7000 ألاف طفل وطفلة من الأطفال المتسولين في العاصمة اليمنية صنعاء، والذين يشكلون نسبة 62% من اجمالي الاطفال المتسولين في اليمن، والبالغ عددهم 30 ألف طفل وطفلة، بحسب دراسة اجتماعية حديثة أصدرها 2 من أساتذة جامعة صنعاء العام الفائت. بيد أن مختصين يرون أن هذا الرقم أقل بكثير من ما هو موجود على أرض الواقع.
الحياة قاسية، بالنسبة إلى طفل ذاق شتى أنواع العنف الجسدي، ولعل آثار الجروح والحروق في جسد "سمير" ما تزال شاهدة على وحشية التعذيب الذي تعرض له الطفل من قبل أبيه الذي عمد الى تأجيره مقابل 1000 ريال في اليوم ( قرابة 5 دولار أميركي)، لواحد من رؤساء العصابات، الذي أرغمه على التسول ضمن 12 طفلاً يديرهم في أحد شوارع صنعاء.
عصابات تستغل الأطفال!
تبرز قصة "سمير" واحدة من قصص المعاناة الانسانية التي يتعرض لها الاطفال المتسولين في اليمن، نتيجة وقوعهم ضحايا عصابات التسول. لكن أطفال كثر مايزالون اكثر عرضة للاستغلال.
فطبقاً لمركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية اليمنية، أحالت شرطة "قاع القيضي" التابعة لمحافظة صنعاء مطلع نوفمبر 2013، 5 متهمين إلى النيابة، اغتصبوا عدد من الأطفال، وقاموا بتصويرهم. وطبقاً للمصدر نفسه فإن المتهمين كانوا يشكلون عصابة لاغتصاب الأطفال وتصويرهم بالهاتف لابتزاز اسرهم، واستغلالهم في جرائم عدة أبرزها التسول.
هذا الأمر، يبدو شبيهاً للغاية لما حدث قبل 4 سنوات، ففي الـ29 من أكتوبر 2009، اعتقلت شرطة العاصمة صنعاء واحدة من أخطر شبكات التسول. وهي شبكة مكونة من 25 شخصاً، تمت ادانتهم باغتصاب الأطفال وتصويرهم وابتزازهم بالصور، من أجل الضغط عليهم لممارسة التسول في شوارع العاصمة. وبحسب وزارة الداخلية، فإن قرابة 150 طفلاً على الأقل، وقعوا ضحية هذه الشبكة.
متسولة برفقة طفل وسط شارع حدة بصنعاء - خاص
شبكات يديرها نـافـذين
ثمة ما هو أخطر بكثير، وهو ما كشف عنه رئيس منظمة حقوقية عاملة في مجال حماية الطفولة في صنعاء، في حديث خاص، عن وقوع ألاف الأطفال من الجنسين دون سن الـ18 ضحايا التسول المنظم من قبل عصابات وشبكات يقف وراءها نافذين، تعمل على توظيف صغار السن، بعضهم يتم اختطافهم، فيما البعض الآخر يتم الاتفاق مع أسرهم مقابل منحهم مبلغ مالي من تسول أطفالهم.
ويقول رئيس منظمة أكناف للطفولة في صنعاء، فضل القدسي،: " تبين لنا وقوف نافذين، وراء شبكات التسول في العاصمة صنعاء، استطاعوا تجنيد مئات الأطفال للتسول في الشوارع، موفرين لهم أماكن سكن في مناطق معينة، ليسهل عليهم التحكم بهم".
رئيس منظمة أكناف للطفولة بصنعاء - خاص
ويضيف القدسي:"وصل الأمر لدرجة مرعبة، فهؤلاء النافذين يتصدون لعمليات القبض على شبكات التسول التي تعمل لصالحهم، مستخدمين نفوذهم لإطلاق سراح المتسولين الذين يجمعون لهم المال، حين يجري اعتقالهم من قبل اجهزة الشرطة".
الحكومة ومكافحة التسول
في سياق المعالجات الرسمية لظاهرة التسول، أطلقت الحكومة اليمنية 3 مراكز لمكافحة التسول في صنعاء، عدن، وتعز، وهي مراكز اجتماعية تتبع السلطات المحلية وتحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، بالإضافة إلى ذلك انشأت الحكومة 3 مراكز لأطفال الشوارع، لكنها تعمل بشكل محدود ولا تستوعب سوى 200 طفل فقط. وبرغم ذلك، ارتفعت نسبة المتسولين في اليمن أضعافا مضاعفة وتحديدا خلال الأعوام 2011.2012.2013 وهي الفترة التي شهدت فيها اليمن اضطرابات سياسية وامنية واقتصادية نتيجة للانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في الربيع العربي.
انفوجرافيك: تسول الاطفال باليمن - موقع تسول
المسئولون الحكوميون، يحيلون السبب الى ارتفاع نسبة البطالة والفقر في البلاد، وتدني مستوى دخل الأسرة، مع زيادة نسب التفكك الاسري والزواج المبكر، وغلاء المعيشة الى جانب استمرار ظاهرة هجرة الذكور البالغين من الأرياف للمدن بحثاً عن فرص عمل؛ في حين تذهب تبريرات سياسية للقول أن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها اليمن في فبراير2011، دفعت بالاهتمام الرسمي الى التركيز على عملية التسوية السياسية والأمنية أكثر من الاهتمام بمتطلبات الحياة الاقتصادية أو برامج مكافحة الفقر في البلاد، الأمر الذي فاقم المشكلة.
فساد حكومي وتضارب مصالح
في العام 1999، أنشأت الحكومة اليمنية، مركز مكافحة التسول في العاصمة صنعاء بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 107، وجرى اطلاق هذا المشروع التابع لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل، ليكون بمثابة جهة ردع وضبط لمن يمارسون التسول كمهنة.
كان مشروع مكافحة التسول في منطقة "الحتارش" بالعاصمة صنعاء، يسعى إلى اتخاذ اجراءات وفق طرق قانونية للحد من ظاهرة التسول في أمانة العاصمة، وتقديم رعاية اجتماعية متكاملة لمن يمتهنون التسول كمصدر للدخل، مع وضع الحلول والمعالجات لها.
بيد أن تضارب المصالح وفساد القائمين على هذا المشروع، شكل عائقاً لجهود مكافحة التسول، وبحسب أحد المشرفين السابقين في المشروع فقد "تورط عدد من موظفي ومشرفي مشروع مكافحة التسول، في تحويل التسول لعملية منظمة تدار من قبل القائمين على مكافحته".
ويقول المشرف السابق في مشروع مكافحة التسول بصنعاء (فضل عدم ذكر أسمه):"ان بعض المعنيين مارسوا عمليات ابتزاز مستمرة..كانوا يجمعون المتسولين الذين يتم ضبطهم، ويعملون على اعادة توزيعهم في شوارع معينة بالعاصمة، والسماح لهم بالتسول، مقابل إلزامهم بدفع مبالغ مالية لهم، منها يتم دفعها بشكل يومي، أوأسبوعي، أوشهري".
مدير الدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية، عادل دبوان
ويضيف:"وصل الوضع لحد الاستفزاز، كانوا يستخدمون حافلة النقل التابعة للمشروع، كوسيلة نقل لتوزيع المتسولين في الشوارع بدلاً من ضبطهم، ويقومون باعادتهم نهاية اليوم بعد مقاسمتهم المال الذي جمعوه".
ونتيجة لذلك الفساد، تم اغلاق مشروع مكافحة التسول في صنعاء، وهو ما أكده مدير عام الدفاع الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، عادل دبوان، في تصريحات صحفيةسابقة بأن الوزارة قررت اغلاق المشروع بشكل نهائي.
وقال دبوان:"تم إغلاق مركز مكافحة التسول لأسباب كثيرة أهمها ضعف الإدارة، وعدم وجود خطة عمل واضحة، وبعض الموظفين فيه كانوا يستغلون المتسولين، وصراحة وحتى نكون على بينة فقد أحيلت مجموعة من هؤلاء الموظفين إلى النيابة وتم التحقيق معهم وبالتالي وصلنا مع الجهات المعنية إلى قناعة بأن هذا المركز وبتلك الطريقة الإدارية لا يؤدي الغرض من وجوده".
المتسولون الوافـدون
في شارع "حدة" أبرز شوارع العاصمة صنعاء، تقف عشرات السيدات من اللاجئات السوريات، برفقة عدد من الأطفال، في مواقع ثابتة على الرصيف في مشهد يتكرر كل يوم طيلة 6 ساعات متواصلة، يدفعن خلالها بأطفالهن للتسول بعبارات تستجدي المارة بطريقة لافتة، تمكنهم من الحصول على المال، وتحديداً من أصحاب السيارات الفارهة. ويتكرر هذا المشهد بصورة متباينة في مناطق أخرى من مدن البلاد. وبحسب مصدر حكومي فإن عدداً من الأسر السورية الوافدة باتت تعمل على تأمين قوتها، عن طريق التسول، وبعضها من صنع السبح وبيعها.
بمقدور الشوارع المزدحمة في صنعاء، اظهار أعداد المتسولين من الوافدين، أبرزهم اللاجئين الافارقة الذين صاروا ابرز الواردات التي تصل اليمن من دول القرن الافريقي منذ أكثر من 10 سنوات.
متسولة وطفلتها أمام مطعم بشارع حدة بصنعاء - خاص
ممثل مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في اليمن، برونو جيدو، أكد نهاية العام الفائت في تصريح صحفي، أن اليمن "يستضيف بالفعل أكثر من 240 ألف لاجيء من الصومال واثيوبيا واريتريا والعراق". في حين أعلن رئيس الحكومة اليمنية، محمد سالم باسندوة، في افتتاح أعمال (مؤتمر الهجرة) منتصف نوفمبر 2013، بأن "اعداد اللاجئين في اليمن تجاوزت المليون لاجئ"، على حد قوله.
احصائيات مفوضية اللاجئين بالعاصمة صنعاء، أقرت بوجود "نحو 900 لاجئ سوري مسجلين رسمياً في اليمن وصل معظمهم خلال 2013، ويستقرون في صنعاء في الأساس وبأعداد أقل في مدينة عدن، كبرى مدن الجنوب". بيد أن كثير من اللاجئين السوريين ليسوا مسجلين لدى مكتب المفوضية في صنعاء، ما يعني أن هؤلاء ليس لديهم مصدر دخل.
لكن مصادر غير رسمية، أشارت إلى "وجود 1600 لاجئ سوري في اليمن غير مسجلين رسمياً"، وفقا لتقديرات أولية جمعتها منظمة دولية غير حكومية في صنعاء. الأمر الذي يدفع معظم هؤلاء للتسول كخيار وحيد لتأمين العيش.
استغلال اللاجئين السوريين
طفل متسول بأحد شوارع صنعاء - خاص
في مطلع العام 2012، توافدت مئات العائلات من اللاجئين السوريين الى مدن البلاد، لاسيما صنعاء وعدن وتعز وإب، الأمر الذي ساعد في ظهور أشكالاً منظمة من عمليات تسول تدار من قبل شبكات وعصابات تستغل ظروف اللاجئين.
ويؤكد رئيس منظمة أكناف للطفولة بصنعاء بأن "هناك عصابات تستغل اللاجئين السوريين في عمليات التسول المنظم وهي تعمل بطريقة منظمة وحذرة".
في حين تقود تصريحات مدير الدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية، عادل دبوان، إلى الاستنتاج نفسه. حيث أكد الأخير أن "تسول الاطفال والنساء من اللاجئين السوريين في اليمن، قد دخل طوراً جديداً وهو طور الاتجار بالبشر، ليصبح منظماً وضمن عصابات ومجاميع تدار عن بُعد بإشراف أشخاص لا يراهم أحد على جانب المتسولين”.
ما هو مؤكد الآن، أن شبكات التسول المنظم في اليمن، موجودة منذ زمن، لكنها وجدت اليوم في اللاجئين السوريين وقبلهم اللاجئين الافارقة، فرص جديدة لتعزيز عملها، مستغلة في معظم الأحيان تلك الحماية المتوفرة لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق