التسميات

05 مارس 2015

الاقتصاد ضحية المرحلة الانتقالية

الرئيس اليمني عبدربه منصور في أميركا 2013. حقوق الصورة: رويترز.
بالنسبة للرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، فإنه لم يكن مقدراً له بأن يأخذ مكاناً هاماً في التاريخ. برغم كل ما حظي به من دعم دولي ومؤازرة اقليمية ومحلية، بصورة لم يحظ بها رئيس يمني من قبل. بيد أنه خيب الآمال، بإهدار كل الفرص التي تهيأت له للمضي قدماً باليمن.

كان الجميع يظن بأن "هادي" عازم على انجاح المرحلة الانتقالية، وكان من المفترض أن تنتج الأخيرة على يديه، نظاما سياسياً على نطاق واسع من الشرعية، والانصاف في توزيع الثروة والموارد. وهو ما بشر به المبعوث الأممي الخاص لليمن، جمال بنعمر، الذي أعلن - بزهو- ذات مرة أن اليمن ستنتقل "من نظام قديم للحكم من خلال المحسوبية، إلى نظام جديد من الحكم الديمقراطي يضمن وجود مؤسسات أكثر شفافية ومسؤولية".
لكن الأمور انقلبت فجأة، وغيرت الواقع رأساً على عقب، بعد أن سيطرت جماعة "أنصار الله" بقوة السلاح على العاصمة صنعاء ومرافق الدولة. ليجد اليمنيين أنفسهم يوم الـ 20 من يناير الفائت، بلا حكومة، وسط رحيل البعثات الدبلوماسية الأجنبية والخليجية من العاصمة صنعاء. ومغادرة الشركات النفطية الأجنبية من البلاد.
من يتحمل مسؤولية انتقال الحياة اليمنية على هذا النحو المحبط، الإجابة: الرئيس هادي وقادة الأحزاب السياسية وجماعة "أنصار الله"، وحكومة الوفاق، والى جانب هؤلاء ايضاً المبعوث الدولي جمال بن عمر، الذي يمكن وصفه بـ "مدير الأزمة الانتقالية". ولعل الحقيقة الموجعة اليوم، أن الاقتصاد اليمني كان أكبر ضحايا المرحلة الانتقالية.
المحبط أن المال لم يكن يشكل عائقاً لصنع التغيير خلال العهد الانتقالي. فبحسب تصريح السفير السعودي في صنعاء، محمد سعيد آل الجابر، قدمت السعودية لليمن "أكثر من 7 مليارات دولار، منها مليار دولار قدمت كوديعة في البنك المركزي اليمني دون فوائد من أجل استقرار العملة اليمنية، إضافة إلى 3.5 مليار دولار كدعم للمشتقات النفطية". لكن هذه المساعدات تم التصرف فيها خارج ما خصصت له، طبقاً لما أوردته صحيفة "الأولى" في يناير الفائت. فأين أنفق كل هذا المال؟
لننظر لجزء من الانفاق الرسمي منذ بدء المرحلة الانتقالية: فحكومة الوفاق الوطني أنفقت قرابة 2 مليار دولار على عملية إعادة هيكلة الجيش التي تكتمل بعد، بحسب ما تناقلته الاخبار المتداولة آنذاك. الى جانب انها انفقت 3 مليار دولار ونصف لشراء الطاقة من محطات توليد الكهرباء بالديزل. في حين بلغت كلفة مؤتمر الحوار الوطني حوالي 8 مليار و457 مليون ريال وفقاً لتقرير الموازنة التقديرية للحوار.
ما هو اسوء أن حكومة الوفاق أقرت اعتماد مبلغ 13 مليار ريال كمخصص سنوي لشيوخ القبائل بدء من موازنة العام 2012. في حين تم توجيه أوامر رئاسية لوزارة المالية بصرف مبالغ لوجهاء ومشايخ، وصلت قرابة 2 مليار ريال في 2013.
تخيلوا ببساطة: لو أن حكومة الوفاق خصصت مثلا مليار دولار من ذلك المال، لبناء 5 مصانع اسمنت، في المناطق الغنية بالمواد الخام مثل: أبين وحضرموت وعمران وتهامة وحجة. كان بمقدور تلك المصانع توفير فرص عمل -مباشرة وغير مباشرة-لأكثر من 10 ألف من العاطلين في تلك المناطق. كان يمكن للأمر خلق حركة اقتصادية، لاسيما أن الإسمنت المستورد في اليمن يغطي قرابة 60٪ من احتياجات السوق المحلي. ولعل إقامة مشاريع كهذه ستقلل من مخاوف المستثمرين. لكن التوجهات الرسمية ظلت بعيدة عن تحسين وضع الاقتصاد، مما يدفع بالتساؤل عن سبب تصرف حكومة الوفاق على هذا النحو المفسد للإصلاحات الاقتصادية التي تشتد إليها الحاجة.
الكارثة أن النفط الذي يعد المحرك الرئيسي لاقتصاد اليمن، ويمثل 70% من موارد الموازنة، و63% من الصادرات، و30% من الناتج المحلي، توقف ضخ معظمه في الجنوب، منذ سيطرة "أنصار الله". ووفقاً للخبير الاقتصادي أحمد شماخ، فإن "اليمن يخسر يومياً قرابة 3 ملايين دولار بسبب توقف ضخ النفط، ما يعني أن الأحداث الأخيرة ستؤدي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد في ظل تراجع الإيرادات وازدياد معدلات التهرب الضريبي نتيجة الفوضى وغياب الدولة".

* تقرير محمد الحكيمي- مجلة الاقتصاد الآن- العدد 1 . مارس 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق