التسميات

13 يناير 2009

الدبلوماسية اليمنية في قـمـة الـ إنـقـسام


الرئيس اليمني صالح، الصورة: ارشيف.

تدخل السياسة اليمنية هذا الأسبوع في مأزق حرج للغاية، فبعد قرار الحكومة اليمنية مقاطعة "قمة غزة" المنعقدة في العاصمة القطرية الدوحة الجمعة الماضية؛ بدت اليمن كمن يمارس سياسة معايير مزدوجة، أو سياسة مصالح على حد سواء. فهذه المرة، جاء الموقف الرسمي اليمني مخيبا ً للآمال الشعبية محلياً، والمتعاطفة على الدوام مع الفلسطينيين.

اليمنيون يشعرون بالخيبة الآن، وما من سبب كاف ِللإقناع عن تراجع موقف الرئيس علي عبد الله صالح، والذي قرر فجأة مقاطعة "قمة غزة" والانضمام لقمة "المعتدلين" العرب المنعقدة في دولة الكويت الشقيقة. وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لرئيس دولة لطالما أدعى كثيرا ً العداء لإسرائيل ولممارستها الوحشية.

بحسب محللين يبدو الأمر أكثر من مجرد ضغوطات أميركية أو سعودية، فاليمن عادة ما تبادر للوقوف في الطرف المناصر، عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. بيد أنها ظهرت هذه المرة مخيبة للآمال الشعبية في الداخل اليمني.
قمة "الدوحة" التي انعقدت حالياً، كانت أكثر القمم العربية جرأة، طوال عقد كامل من انعقاداتها المتكررة، ولعل توصيات القمة اشتملت على أمور، قال كثيرين أن قمة الكويت لن تصل لمستوى هذا السقف الذي خرجت به الدوحة، وهو أمرُ لا يتعلق بالسياسة الكويتية التي لطالما أبدت حرصها الكبير تجاه كافة القضايا العربية بصورة ثابتة ومحترمة. بقدر ما يتعلق بتأثير الإدارة الأميركية على اللاعبين الرئيسيين في المنطقة العربية وهما مصر والسعودية.

ما هو واضح، أن الانقسامات التي بدت حادة في الساعات الأولى قبل انعقاد قمة الكويت، قللت من أهمية ما ستخرج به، ذلك أن السعودية ومصر ومعهما شبه إجماع عربي، ترفضان كل ما جاء في توصيات الدوحة، وتؤكدان تمسكهما بالمبادرة العربية للسلام لأنها خيار استراتيجي. في حين يصر الجانبان القطري والسوري على الأخذ بتوصيات مؤتمر الدوحة التشاوري اللذان يعتبران أن المبادرة العربية للسلام قد ماتت، ويطالبان بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، وهو أمر قد يفهم صدق نواياه من قبل الموقف السوري، في حين يصعب تصديق تطبيقه من قبل الجانب القطري الذي يتمتع بعلاقات تجارية مع إسرائيل منذ أكثر من عقد تقريباً. فضلاً عن أن مواقف قطر حيال قضايا عدة ما تزال في ريبة وشك.

بالنسبة لليمن، فالموقف ضعيف وغير واضح الملامح، فمساء أمس أعلن الرئيس صالح، أن قمة الكويت هي قمة "المصارحة والمصالحة" وهي عبارة تفسر سبب المقاطعة لقمة الدوحة، من قبل رئيس يحرص دائماً على تأميم المصالح قبل كل شيء، لاسيما مصالحه الشخصية.

أكثر العبارات التي يرددها الرئيس صالح باستمرار في خطاباته في كل القمم العربية هي "ضرورة رأب الصدع العربي"، ولعل ما سيتعين على صالح فعله هذه المرة، هو رأب الصدع في الداخل اليمني كونه المتسبب في حدوثه.

فالبرلمانيون اليمنيون في مجلس النواب أدانوا الأمر برمته، لقد عبروا في بيان البرلمان عن " آسفهم لخذلان الرئيس صالح لشعبه في اللحظات الأخيرة" خلال جلسة طارئة عقدها البرلمان صباح أمس الاثنين، وطالب أعضاء مجلس النواب النظام الرسمي "بتجميد علاقات اليمن مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي معها باعتبارها الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني، ودعا نواب الشعب الزعماء المشاركين في قمة الكويت إلى "تبني قرارات قمة الدوحة"، الأمر الذي يبرز التناقض الكبير بين قناعة الرئيس الشخصية التي جاءت عكس قناعة الشعب اليمني ونوابه.

وفقاً لقيادي في أحزاب المعارضة اليمنية، فإن "اليمن تعاملت كموقف رسمي بشكل خاذل للقضية الفلسطينية، غابت اليمن عن قمة طارئة لغزة، ثم غاب الاهتمام الرسمي بما يحدث هناك، وتجاهلت وسائل الإعلام الرسمية قمة غزة وتوصياتها، كما حدث تغييب رسمي للأمر في صفحات الجرائد الحكومية في اليمن، وفي عشية إطلاق التوصيات التي خرجت بها قمة الدوحة كانت الصحف الرسمية تخصص في صفحاتها الأولى تكهنات موسعة لقمة الكويت التي سيحضرها الرئيس صالح والتي تم عنونتها بالقمة الاقتصادية".

يبدو الواضح أن التكريس اليمني المتعمد لتجاهل قمة غزة يعطي انطباعا ً قوياً بأن اليمن تقف ندا ً للقمة ولمن دعا وشارك بها على حد سواء، كي تبدو السياسة اليمنية على هيئة الخصم لدول تكون أولها قطر وآخرها إيران. لأجل نيل الرضى السعودي بحسب تعبير قيادي في المعارضة اليمنية.

وعلى ذات السياق، قال وزير الخارجية اليمني، أبو بكر القربي، في تصريح بثته صحيفة "القبس" الكويتية، أن "اليمن لم توافق على قمة الدوحة، لأنها قدمت تأييدا مشروطا باكتمال النصاب للذهاب إلى قطر، وأنهم سيشاركون إذا اكتمل النصاب ولم يكتمل". نافيا أن تكون اليمن قد تراجعت عن الذهاب إلى الدوحة قائلا: "كانت موافقة مشروطة".

وحول عدم ذهاب اليمن إلى قمة الدوحة وتأثيره على العلاقات مع قطر، قال القربي: "لا أعتقد أنها ستؤثر على علاقتنا مع قطر".
ورداً على سؤال أن قمة قطر موجهة ضد مصر، قال القربي: "أنا لست من المؤمنين بتحليل نوايا الآخرين، فإذا ما جاءت المبادرة من أي طرف عربي يجب أن نأخذها بالنية الطيبة، ونقبل بها ثم بعد مناقشتها نبدي آراءنا، لأن عدم الحضور هو موقف سلبي، خلافا للمبادرات الإسرائيلية التي انظر إليها بمفهوم الآخر".
وفي معرض حديثه، لم ينتبه الوزير القربي، إلى أن دعوة قطر كانت مبادرة أيضا ً من طرف عربي، لذلك تبدو السياسة اليمنية سياسة معايير مزدوجة مثيرة للسخرية.
ما هو أهم، قاله القربي بلغة صارمة هذه المرة: "على العرب إجراء حوار مع إيران وعلى إيران أن تحترم الخطوط الحمر العربية".

بالنسبة لليمن، كبلد ضعيف وغير مؤثر سياسياً في محيطه العربي، يبدو الادعاء الرسمي سمجاً حين تقول الخارجية اليمنية أن "سياستها ثابتة"، فقد بدت سياساتها "معتدلة" هذه المرة فيما يخص حركة حماس، والتي لطالما تبنت الدبلوماسية اليمنية مبادرات تحضر فيها حماس بصيغة الحليف القوي للنصيحة اليمنية وللدعم المالي اليمني الذي تستقطعه الحكومة من رواتب موظفي الدولة شهرياً دعما للشعب الفلسطيني وتتسلمه حركة حماس عبر مكاتبها الموجودة في صنعاء تعز، تحت مسمى "الجمعية اليمنية لنصرة الأقصى الشريف". لكن المسار اليمني تغير فجأة.
ويقول القربي: "أن القمة مكان لقادة الدول ويمثل فلسطين رئيس السلطة محمود عباس ومشاركة {حماس} في القمة يقررها القادة".

وقريبا ً جدا ً من هذا الموقف المتباين تجاه حركة حماس، حدثت خلافات حادة بين حاضرين كانوا على موعد في مهرجان للتضامن مع قطاع غزة في فعالية نفذتها في صنعاء صباح الأحد الفائت جمعية "كنعان" لفلسطين بحضور مسؤول قوات الأمن المركزي اليمني. وغابت حركة حماس عن أول فعالية -شبه رسمية- لفلسطين والتي افتتحت بها فعاليات تدشين "خيمة المقاومة" بمقابل مشاركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلى جانب حضور سفير جمهورية كوبا في اليمن، وحدثت مقاطعة لكلمة القائم بأعمال السفارة الفلسطينية بصنعاء.


هذا التناقض الكبير الذي أحدثته فعالية شعبية دشنت بها خيمة المقاومة بحضور ممثلي حركة فتح واستبعاد حركة حماس يشكل منعطف في علاقة اليمن الرسمية بحركة حماس، وهو نوع من التأييد الذي تود صنعاء اقناع الفلسطينيين به، في حين أنه يعكس تماما ً الموقف الرسمي لاسيما أن منظم فعالية خيمة المقاومة هو مالك ورئيس جمعية كنعان لفلسطين، العقيد يحي محمد عبد الله صالح، نائب رئيس قوات الأمن المركزي، وهو ابن أخ الرئيس صالح، ولا غرابة في ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق