التسميات

26 مارس 2010

نائف حسان: الصحافة الرسمية عاجزة عن إيصال رسالتها لهذا أقدمت السلطة على تفريخ صحف أهلية

نائف حسان ناشر ورئيس تحرير صحيفة الشارع | الصورة: ارشيف.
يرد اسم الزميل نائف حسان ضمن قائمة أبرز ضحايا حروب السلطة على الصحافة لكونه أحد صحفيي اليمن الممنوعين من الكتابة ، نتيجة ذلك التأثير الذي أحدثته صحيفة الشارع التي يملكها حسان منذ انطلاقها منتصف 2007 ، وحتى الآن مضت 10 شهور على منع حسان مزاولة مهنة الكتابة من قبل المحكمة ، وهو ما يزال مرناً تماماً في تقبل ذلك الحكم الذي أرغمه التخلي عن وظيفة رئيس التحرير والانصراف عن المهنة. بيد أن حسان فاجأ الجميع حينما قرر إطلاق صحيفة يومية تصدر عن مؤسسته الى جانب صحيفة الشارع الأسبوعية ، وهو ما يقود إلى أن حسان صحفي تصُعب هزيمته .. وقد تحدث لـ (مدونة محمد الحكيمي) في أول حوار له يفصح فيه عن نظرته الحالية للصحافة ، عن ومستقبل المهنة ،في ظل تضييق الخناق على الحرية في البلاد .. إليكم مقتطفات :

يرى كثيرون أن النجاح الذي حققته صحيفة الشارع، بحضورها الأسبوعي، كانت ضريبته منعك من الكتابة لمدة عام من قبل المحكمة.. كيف تقبلت هذا الأمر حتى الآن؟

لا.. هذا غير صحيح. أنت تدرك أن صحيفة "الشارع" حققت حضوراً جيداً منذ صدورها في 2/6/2007، ومنعي من الكتابة تم منتصف العام الماضي. لذلك لا يُمكن لهذا المنع اللاحق من الكتابة أن يكون ضريبة لهذا الحضور السابق الذي يُفترض أن "الشارع" حققته.
الأرجح لدي أن تشدد السلطات في تنفيذ "الحكم"، الخاص بمنعي من مزاولة المهنة لمدة عام؛ كان بمثابة رد فعل على الحضور الذي حققته "الشارع".. يبدو هذا مقبولاً ومنطقياً بالنظر إلى ذهنية الأجهزة الأمنية وطريقة تعاملها مع الصحافة بشكل عام طوال السنوات الماضية. فإلى الاعتداءات المباشرة؛ تعتمد الأجهزة الأمنية سياسة التضييق ومحاصرة الصحف والصحفيين عبر استخدام القضاء لاستصدار أحكام تُستخدم كهراوات للتضييق على هامش الحريات الموجود نسبياً في الصحافة. والمعروف أن ذلك يتم لإرهاب الصحفيين والصحف التي تُحقق حضوراً جيداً عبر أدائها المهني، أو عبر مقالات الرأي التي تَستخدِم سقفاً مرتفعاً في نقد السلطات الرسمية وسياساتها. بهذا المعنى؛ يُمكن القول أن تفتيش الأجهزة، وعودتها إلى هذا "الحكم" الصادر ضدي، بعد أكثر من عامين على صدوره؛ كان محاولة لمحاصرة الحضور الذي حققته "الشارع" أكثر مما هو ضريبة تم تقديمها للوصول إلى تحقيق هذا الحضور.
بسبب الاستخدام السياسي لـ"القضاء"؛ كانت الأجهزة تكتفي، طوال الفترة السابقة لعام 2009، باستخدام "الأحكام القضائية" كهراوة ترهيب ضد الصحف والصحفيين، دون الحاجة إلى الإصرار النهائي والقاطع إلى تنفيذ هذه "الأحكام". غير أن العام الماضي شهد تطوراً خطيراً تمثل في لجو السلطة إلى تنفيذ تلك "الأحكام القضائية"، بحرص يعكس تطور فعالية مهنة الصحافة. لقد وصلت السلطة إلى قناعة بعدم جدوى استخدام "القضاء" كهراوة، لذلك لجأت إلى تفعيل هذه الهراوة عبر تحويلها إلى أداة مباشرة وحاسمة..
بعد تشدد السلطة في تنفيذ "حكم" منعي من مزاولة المهنة؛ صدرت "أحكام" عدة تَشددت السلطة في تنفيذها ضد عدد من الزملاء في الصحف الأهلية. وحالة الزميلين سمير جبران ومنير الماوري شاهد حي على ذلك؛ إضافة إلى حالة الكاتبة أنيسة محمد على عثمان. والحقيقة أن لجوء السلطة إلى تفعيل أدوات الاستبداد، ووسائل القمع التقليدية ذات الطابع البوليسي الأمني؛ يعكس مدى التأثير الذي بلغته الصحافة الأهلية.
وكي لا أظلم صحيفة الشارع، وزملائي العاملين فيها اليوم، أو الذين شاركوا في تأسيسها؛ أود أن أشير إلى أن السلطة حاولت التضييق على الصحيفة، والعاملين فيها، منذ صدور عددها الأول. أي قبل اللجوء إلى منعي من مزاولة المهنة. وتعرفون أن السلطة أحالت، عام 2007، الصحيفة، وثلاثة من صحفييها، نبيل سبيع ومحمود طه وأنا، إلى محكمة أمن الدولة، في قضية نشر، ووجهت لنا فيها تهم عدة تصل عقوبة إحداها إلى الإعدام. لأكثر من عامين تم الإصرار على جرجرتنا في محكمة أمن الدولة؛ رغم أن ذلك مخالفة كبيرة لاقت استنكار وتنديد محلي وعربي وعالمي.
طبعاً فرضت السلطة علينا تنفيذ "الحكم" الذي قضى بمنعي من مزاولة المهنة، ولم تسمح، منتصف العام الماضي، بصدور صحيفة الشارع إلا بعد تغيري من رئاسة تحريرها. يومها كان أمامنا خياران: عدم تنفيذ "الحكم" وبالتالي إيقاف الصحيفة عن الصدور، وهذا ما تريده السلطة، أو تنفيذ "الحكم" حرصاً على عدم إيقاف الصحيفة. كان الخيار الأول أقل ضرراً بالنسبة لنا.


*أترى ثمة ما يبشر بأن الصحافة اليمنية ستلقى طريقها نحو الحرية برغم كل ما حدث ويحدث؟

عام 2004؛ عاشت الصحافة في اليمن أفضل فتراتها؛ فيما يتعلق بقدرتها على رفع سقف حرية الرأي والتعبير. يومها؛ تمكنت الصحافة من خلق قناعات ورأي عام. وإلى حد ما كانت الصحافة تقود وتوجه العمل السياسي. من باب الإنصاف؛ سأكد هنا إن الزميلين عبد الكريم الخيواني وخالد سلمان تحملا فضيلة ذلك؛ عبر المساحة التي أتاحاها في صحيفتي "الشورى" و"الثوري". كانت تلك فترة مهمة في تطور الصحافة، والديمقراطية في اليمن، واجهتها السلطة بسياسات بوليسية وقمعية عدة. وقد احتكرت الصحافة الحزبية، ممثلة في "الشورى" و"الثوري"، تلك المهمة، التي لا يُمكن إلا أن تكون مفصلية في تاريخ الصحافة في اليمن.
عام 2007؛ شهدت الصحافة تطورات آخر؛ وهو تطور فعلي تعلق مستوى أدائها المهني. وقد لعبت الصحف الأهلية الدور الرئيسي في ذلك. وبالتأكيد؛ فهذه تُمثل أيضاً مرحلة مفصلية وهامة في تاريخ الصحافة في اليمن. والملاحظ أن هذا التطور في الصحف الأهلية رافقه تراجعاً ملحوظاً للصحف الحزبية. أدركت السلطة هذا الأمر؛ لذلك أوقفت، في مايو 2009، 8 صحف مستقلة؛ في حملة هستيريا لم يسبق للنظام أن اتبعها منذ قيام الوحدة عام 90.
اليوم تعيش الصحافة أسوأ فتراتها؛ لكني أتعامل مع ذلك باعتباره مؤشراً جيداً يعكس مدى التطور والفاعلية التي وصلت لها الصحافة الأهلية في اليمن. والمؤكد لدي أنه ليس هناك طريق أمام الصحافة في اليمن غير الانتصار على هذه "الردة" الرسمية. وعبر التاريخ؛ كانت الصحافة أقوى من سياسات القمع والاستبداد.


*برأيك .. أهناك منجز ما تحقق للصحافة اليمنية إجمالا في الخمس السنوات الماضية
؟

بالتأكيد.. فالصحافة شهدت تطوراً مهماً خلال الخمس السنوات الماضية؛ خاصة فيما يتعلق بالجانب المهني. صحيح أن هذا التطور محدود، ولا يتناسب وتطور العالم الذي نعيش فيه، لكنه مقبول بالنظر إلى تقليدية المجتمع اليمني وتأخره الزمني والمعرفي البالغ عما يشهده العالم.
الصحافة مهنة جديدة في اليمن، لذلك تُعاني من نقص فادح في الصحفيين المحترفين، و فيها دخلا كُثر ومبتزون أكثر. وأعتقد أن الصحافة ستكون في وضع أفضل عندما تتحول إلى سلعة ذات مصداقية ورواج وتأثير.
حتى اليوم؛ لم تصبح الصحافة مهنة آمنة؛ فيما يتعلق بالدخل. والحقيقة أن تدني مستوى دخل الصحفيين مرتبط بعدم تحول الصحافة إلى سلعة ومهنة ذات تقاليد ونفوذ حقيقي وفاعل في المجتمع. بالنسبة للشباب الباحثين عن مستقبل؛ لا توفر الصحافة دخل لائق؛ لهذا يتجه كثير من الموهوبين نحو دراسات ووظائف أخرى، فيما يتجه كثير من المتطفلين نحو الصحافة. ذلك مرتبط بالمجتمع اليمني؛ بشكل مباشر. أكبر رقم يُمكن أن توزعه صحيفة في اليمن هو 20 ألف نسخة في العدد؛ وهذا لا يتناسب وحجم السكان، ولا يُمكن مقارنته حتى بالمجتمعات التقليدية المجاورة.
لا يُساعد هذا في تحول الصحافة إلى عمل استثماري، كما أنه سبب رئيسي لهذه الهشاشة المالية والمهنية التي تعيشها الصحافة في اليمن. لا يعكس هذا الأمر أمية المجتمع فحسب؛ بل يُعكس أيضاً غياب التقدير المجتمعي للصحافة. وفي الإجمال؛ أضعف هذا الأمر الصحافة كمهنة، وكنشاط استثماري، وكوظيفة اجتماعية.
بالنسبة لعدد السكان؛ يُفترض أن تطبع الصحف المحترمة في اليمن أكثر من 300 ألف نسخة في كل عدد تصدره.. إذا تحقق هذا الأمر ستكون الصحافة قد أصبحت سلعة، وعمل استثماري. ستكون الصحافة قد أصبحت مهنة ذات تقاليد محترمة، وسيكون لديها القدرة على استقطاب الموهوبين الذين يُفترض أنهم سيشكلون جيلاً جديداً من الصحفيين المحترفين.


*أين يكمن الخلل إذاً في واقع الصحافة في اليمن اليوم ؟

هناك أسباب كثيرة كرست هذا الخلل القائم حالياً؛ وهو وضع بائس إلى حد كبير مقارنة بوضع الصحافة في دول الجوار، ومع ما يفُترض أن تكون عليه هذه المهنة.
كما قلت؛ فالصحافة ليست مهنة آمنة. وأهم المشاكل التي تواجه الصحافة في اليمن تتمثل في افتقادها للمصداقية، وارتفاع نسبة الأمية في المجتمع المرتبط بغياب حس المسائلة والرقابة الاجتماعية. إلى غياب المهنية؛ هناك استسهال في الكتابة وممارسة مهنة الصحافة، وهو استسهال يُفقد الصحافة الدقة المفترضة. هناك أيضاً تدني كبير وفقر مدقع يُسيطر على الصحافة.
للتوضيح أكثر؛ سأعيد ما قلته في إجابة السؤال السابق. يعكس تدني عدد طباعة الصحف؛ عدم وثوق المجتمع بالصحافة، وعدم الركون إليها في تلقي الأخبار وصناعة القناعات والتوجهات.. والرقابة على أداء الأجهزة الحكومية. ذلك يُضعف القدرات الذاتية لهذه المهنة، ويَعكس نفسه على الكادر العامل فيها ومستوى دخولهم، ومدى فاعليتهم .
إذا ما طبعت الصحيفة، أي صحيفة من الصحف المحترمة، 300 ألف نسخة من كل عدد تصدره؛ فذلك يعني أن دخلها سيكون أكبر؛ عن طريق المبيعات، والإعلانات. هذه الثقة الاجتماعية ستُحول الصحافة إلى مهنة حقيقية ومجال للاستثمار، وستساعد في جذب الموهوبين والقدرات الشابة، وستحد من تدفق المتطفلين والدخلاء الذين يفتقدون للموهبة الحقيقية والأصيلة.
انظر: يتركز الإعلان في اليمن على لوحات الطرق، والتلفزيون والراديو.. أغلب الشركات ليست مقتنعة بأهمية الصحافة كوسيلة لإيصال رسالتها الإعلانية، وكثير من التجار يقتصر اهتمامهم الإعلاني بالصحف الرسمية، وذلك عائد إلى قلة تقدير قائمة لديهم.
عندما ترتفع مبيعات الصحف إلى 300 ألف نسخة في العدد؛ سيكون أصحاب الشركات مُجبرين على دفع إعلاناتهم الترويجية نحو الصحافة. وذلك لن يكون إلا ضمن ثقافة اجتماعية تدرك جيداً أهمية هذه المهنة.. ثقافة اجتماعية تربط قهوة الصباح بقراء الصحف.. ثقافة اجتماعية تعتمد الصحافة كمصدر مهم لتلقي الأخبار والمعلومات بدل الانتقال الشفهي المباشر.
هناك حقيقة منطقية تقول أن المهن، وطبيعة الوظائف، تكون انعكاس حقيقي وأصيل للمجتمع. إذا ما سلمنا بذل؛ فهذا يعني أن الصحافة في اليمن انعكاس لطبيعة المجتمع اليمني، وحالته الإنسانية، والاجتماعية. اعتماداً على ذلك؛ أستطيع القول أن تطور الصحافة في اليمن مرتبط بتطور المجتمع، وبؤسها الحالي عائد إلى الحالة الاجتماعية القائمة.
من أين تستمد الصحافة في أمريكا وأوروبا قوتها؟ ليس هناك سوى إجابة واحدة لهذا السؤال: من المجتمع. ماذا لو تحولت صحيفة النيويورك تايمز إلى اليمن؟ أيضاً؛ ليس هناك سوى إجابة واحدة لهذا السؤال: ستنتهي صحيفة النيويورك تايمز.. ستُدمر بشكل تام. تطبع هذه الصحيفة مليون نسخة يومياً، ومليون و400 ألف نسخة كل أحد. إن انتقالها إلى اليمن سيعني أنها ستطبع 20 ألف نسخة يومياً؛ في أحسن حالاتها؛ وهذا هو الدمار الذي أقصده.


* يتحدث الجميع الآن عن إصدار جديد تخطط لإطلاقه ليكون إصداراً يومياً .. إلى أين وصلتم بالأمر؟


نعم نخطط لإصدار صحيفة يومية سيكون رئيس تحريرها الزميل القدير محمد عايش. وهذا مشروع نأمل أن يُمثل نقلة جديدة في الصحافة.
مشروع الصحيفة اليومية هو مشروع قديم بالنسبة لي. قبل أكثر من عامين بهدف تحويل صحيفة الشارع إلى صحيفة يومية، وقبل أكثر من عام تقدمت بطلب إصدار صحيفة يومية باسم آخر. حتى اليوم مازالت أتردد بشكل شبه يومي على وزارة الإعلام بهدف الحصول على ترخيص لإصدار هذه الصحيفة.


* إذاً.. هل نجحت الصحافة الأهلية في تحقيق إضافة حقيقية.. دوناً عن الحزبية والرسمية؟


لا أشك في ذلك إطلاقاً. والشاهد الحملة التي استهدفت الصحافة الأهلية في مايو الماضي.
لا أريد التعريض بالصحافة الرسمية؛ غير أن اتجاه السلطة، مؤخراً، نحو إصدار وتفريخ عدد من "الصحف الأهلية"، يؤكد مقدار البؤس الذي تعيشه الصحافة الرسمية؛ فيما يتعلق بالمهنية والمصداقية.
لقد أدركت السلطة، بشكل متأخر، أن الصحافة الرسمية عاجزة عن إيصال رسالتها، لهذا أقدمت على تفريخ "صحف أهلية". جزء كبير من هذا الفشل لا يعود إلى الزملاء العاملين في الصحافة الرسمية، بل إلى طبيعة الخطاب الرسمية، القائم على رسالة موجهة، تتأسس على تغييب مساحة الحرية، وشل فاعلية "الكفاءات" الصحفية. ولأن المشكلة تتمثل في الخطاب الرسمي؛ فقد فشلت هذه "الصحف الأهلية"، التي فرختها السلطة؛ ذلك أن حجم تداولها محدود للغاية، وعدد النسخ المطبوعة منها قليلة جداً.
لقد تراجعت الصحافة الموجهة في جميع أنحاء العالم؛ غير أن السلطة في اليمن لم تفهم ذلك ولا تريد أن تفهمه. ولعلي لا أُجانب الصواب إن قلت أن تطور مهنة الصحافة في البلاد مرتبط بالصحافة الأهلية؛ بدرجة أساسية. أعني الصحافة الأهلية الحقيقية، وهي محدودة ومعروفة، ذلك أن أغلب الصحف الأهلية، وهي كثيرة، لا تعدو عن كونها "دكاكين" لـ"طلبة الله" والابتزاز.


* ما الذي تشعر حياله بالقلق حينما يتعلق الأمر بمستقبل المهنة في اليمن؟


أنا متفائل، ومساحة القلق ليست كبيرة لدي. في الجانب المهني؛ مستقبل الصحافة في اليمن سيكون أفضل. بالتأكيد ستتسع مساحة الحرية، وسينتهي هذا السُعار الرسمي الذي قلص حرية الصحافة عبر "الوطنية" التي اُستخدمت كساطور للقمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق