التسميات

26 يونيو 2011

" فـايـرسـتـايـن" يـلعـب بـورقـة الـقـاعـدة

جيرالد فايرستاين سفير أميركا بصنعاء. الصورة: موقع السفارة
*تحليل: محمد الحكيمي
الخبر السار بالنسبة لسفير الولايات المتحدة الأميركية في صنعاء جيرالد فايرستاين: فرار 63 سجيناً من المنتمين لتنظيم القاعدة بينهم محكومون بالإعدام، من سجن "المكلا" المركزي بمحافظة حضرموت جنوب اليمن الأربعاء الفائت.
ويبدو المدهش جداً في يقظة وحدة مكافحة الإرهاب أن عملية الفرار هذه تمت بذات الطريقة التي فر فيها 10 سجناء متهمين بتفحير المدمرة " كول" من سجن عدن في 2003، وباستخدام ذات الأدوات التي ساندت فرار 23 شخصاً من سجن صنعاء العام 2006؛ الجميع حفروا أنفاقاً من زنزاناتهم بملاعق الطعام وصولاً إلى خارج السجن.


وفي أعقاب ذلك، كان السيد جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، ومعه السفير فايرستاين، يستمتعان بحفلة غداء فاخرة في ضيافة قائد الحرس الجمهوري في العاصمة صنعاء.
وسط كل الاحتمالات، بدا السفير الأميركي بصنعاء صامتاً حيال عملية الفرار السهل للسجناء، في حين أنه كان يجيد الحديث بنبرة عالية حين يملي شروطه على قادة اللقاء المشترك الضعفاء.ولعل ما يؤكد ذلك الشعور العدائي الواضح تجاه الشعب اليمني، أن يقول فايرستاين: أنه " ليس مع كلمة ثورة "، وأن إسقاط النظام "لن يحل المشكلة ".
بين خيارين .. تقف ساحات الثورة في مراوحة شديدة للغاية ، فإما إسقاط النظام، أو نقل السلطة بطريقة سلسة تلائم شغف فايرستاين، وبالنسبة لأحزاب المعارضة فإنها ما تزال تعتقد أنها تتمتع بإحساس سياسي عالي الإيقاع يمكنها من التأثير على مسرح العمل السياسي في اليمن من دون الاضطرار للنوم في خيمة احتجاج داخل ساحة التغيير بصنعاء.
أكثر ما تستطيع أحزاب المشترك انجازه ، هو الإصرار على المبادرة الخليجية ، كي تكون عند حسن ظن فايرسيتاين ودول الجوار، وليس لدى المعارضة أية مشكلة في منح نظام سفك دماء مئات الشهداء، كل الضمانات الكافية لعدم ملاحقته. وما لم تنتبه له هذه الأحزاب، هو أنها ستخرج في نهاية المطاف، بخسارة عدد كبير من قواعدها في الساحات، فضلاً عن النظر إليها بالكثير من المقت واللعنات، وهو ما بدأ الآن بالفعل.
لننسى أمر المشترك الآن، ولنتحدث عن ما يريده فايرستاين، فطبقاً لأحد المصادر، فأن الرجل لا يريد قادة جيدين على المسرح السياسي الآن، انه يريد رجالاً ضعفاء في المرحلة الحالية، تماماً مثل عبد ربه منصور هادي الذي يحمل رتبة فريق - وهي أكبر رتبة عسكرية حالية في اليمن في ظل غياب صالح- ولا يستطيع إلزام كل الرتب العسكرية التي يحملها بقايا النظام الانصياع لأوامره، ففي حين أن هادي يحمل أكبر منصب سياسي بعد صالح، إلا أنه يفرط فيه ايضاً كما السلطة العسكرية التي يملكها، ولعل هذا ما يمنح أميركا فرص وصاية واسعة وحسب.
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تسلم فيها الولايات المتحدة ملف دولة كاملة بعهدة سفير من سفرائها، وطبقاً لأحد السياسيين فإن فايرستاين تسلم من أوباما ملف اليمن بعد أن تعهد بانجاز الكثير في مكافحة الإرهاب؛ الأمر الذي يقود إلى أن "فايرستاين" هو المدير التنفيذي لليمن الآن، وما يدعو للاشمئزاز أن يبدي قادة المشترك نوعاً من الاستقواء بالرجل في مناكفاتهم السياسية مع خصومهم في النظام، ناسين كل تلك المواقف المعادية لثورة الشباب التي أعلنتها أميركا وسفيرها منذ انطلاق الاحتجاجات.
هل تتذكرون ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية قبل قترة قصيرة ، عندما ظهرت في عرض مروع, لتقول:"إيران ضالعة إلى حد بعيد "في الحركات الاحتجاجية التي يشهدها اليمن". بهذا الكلام وبغيره، كانت "كلينتون" تتقاسم اللعب بتلك الورقة التي كانت في جعبة "صالح" حيث جعلت من إيران كبش فداء في اليمن مرة أخرى.
جاء هذا بعد إعلان "صالح" أن هذه الاضطرابات هي "حصيلة مؤامرة تقف وراءها إسرائيل و الولايات المتحدة"، ولهذا بدا بيان "كلينتون" ساذجا جدا.
قد يكون الأمر أقل سذاجة مع "فايرستاين"  فالرجل لا يحب العمل الدبلوماسي بالقدر الذي يوليه للعمل الأمني والعمليات العسكرية المتعلقة بشئون مكافحة الإرهاب.. وهي وظيفة لطالما برع فايرستاين في تأديتها في بلدان عدة لربما لن تكون جغرافيا شبوة أو أبين آخرها.
ما من فرصة ثمينة أفضل من هذه، تخول لأميركا، تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية، فثمة 63 ارهابياً من تنظيم القاعدة فروا من سجنهم وينبغي القضاء عليهم؛ بسبب تؤاطو او فشل الأجهزة الأمنية اليمنية.
ولهذا لن نكون مضطرين لمعرفة المعلومة الدقيقية في ذلك، فلم يعد مهماً الآن توخي الدقة فيما اذا كانت أجهزتنا متؤاطئة بالفعل او فاشلة، ففي الأخير قبلت هذه الأجهزة شروط اللعبة وفق قاعدة "فايرستاين". لكن دعونا قبل الحديث عن براعة الأخير، لنعرف أولاً من هو جيرالد فايرستاين؟
في 17 سبتمبر 2010، جاء "فايرستاين" إلى صنعاء، من أجـل تنفيذ المهمة الأميركية الخاصة التي أخفق في تنفيذها السفير الأميركي السابق بصنعاء "ستيفن سيش"؛ وهي: قتل رجل الدين المتشدد والمتهم بالإرهاب "أنور العولقي" - اميركي الجنسية - الذي أضيف اسمه العام الماضي إلى قائمة سرية من الأهداف التي وضعتها وكالة الاستخبارات المركزية، ولعل الجميع يعرف أن المهمة التي سيشرف عليها سفير واشنطن، لاقت معارضة واسعة من قبل الكونجرس الأميركي الذي رفض منح تشريع يخول إدارة اوباما قتل "العولقي" دون محاكمته، باعتباره ارهابي يهدد الامن القومي الأميركي، وهو ما يحظره الدستور الأميركي في حق مواطن يحمل الجنسية الأميركية.
قبل تعيين "فايرستاين" سفيراً لدى اليمن، شغل الرجل منصب نائب السفير في إسلام أباد في باكستان. وعرف عنه براعته في لعب دور الجنرال الذي حقق نجاحات خارقة في سجل مكافحة الارهاب. فالرجل يحمل خبرة ذائعة الصيت في العمل في أكثر بؤر التوتر في العالم.
ففي ثمان سفارات شملت: إسلام أباد و وتونس  والرياض، وبيشاور، ومسقط، وأورشليم، وبيروت، وإسلام أباد؛ كانت تجربة فايرستاين كفيلة لأن تؤهله لمنصب نائب الرئيس لمساعد المنسق لبرامج شؤون مكافحة الإرهاب في واشنطن من 2006 حتى 2008.
تبدو سيرة وظيفية كهذه، كافية للقول بأن صاحبها يحمل سجلاً مهنياً يمكنه من إيجاد طريقة أو أخرى في تنفيذ تلك المهمة، دون ترك آثار لتورط إدارة اوباما في اغتيال العولقي، ولعل هذا ما سيفاجئنا به "فايرستاين" في الأيام القادمة.
هل هذا كل شيء.. لا؛ فثمة أمور لا تمضي دفعة واحدة، وفقاً لما يخفيه فايرستاين وخصوصاً في بلد كاليمن، فما يزال الصحفي اليمني عبد الاله حيدر شايع، معتقلاً تحت ضغوط السفارة الأميركية، برغم انه منح عفواً رسمياً قبل 5 شهور من الرئيس صالح نفسه.
يقول فيليب لوثر، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "إن ثمة مؤشرات قوية على أن التهم الموجهة إلى عبد الإله شايع ملفقة وأنه سُجن لأنه تجرأ على الحديث عن تعاون الولايات المتحدة في الهجوم بالذخيرة العنقودية الذي وقع في اليمن، ليس إلا." ويضيف فيليب لوثر بالقول: " منظمة العفو الدولية تعتبره سجين رأي وتدعو إلى إطلاق سراحه فوراً وبلا قيد أو شرط".
لهذا السبب، اختار السفير فايرستاين أولى تحركاته الدبلوماسية من مقر نقابة الصحفيين اليمنيين، فالعلاقة ما بين حيدر وفايرستاين هي من جرت قدمي الأخير لأن يتنكر أمام الصحفيين بحديث مثالي عن الحريات الصحافية وحرية التعبير وحقوق الانسان ، في حين أن ثأر فايرستاين مع شايع يكمن في كون الأخير كان أول صحفي يمني يكشف عن تورط  الولايات المتحدة في الهجوم على المعجلة في أبين ، في 17 ديسمبر 2009 ، والذي أسفر عن مقتل 21 طفلاً،وما لا يقل عن 20 رجلا وامرأة ، و14 شخص متهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة.وهو قتل خارج نطاق القانون.
وبعبارة أخرى: سيستمر فايرستاين  بتنفيذ المزيد من عمليات القصف المستهدفة التي غالباً ما يسقط فيها عشرات الضحايا من المدنيين ،و لن يهدأ له بال إلا حين تنجح عملية قتل العولقي، ويتعين على الصحفيين اليمنيين ومنظمات حقوق الإنسان طبعاً التزام الصمت كي لا ينالهم ذات العقاب الذي نال الصحفي حيدر.
صحيح أننا لسنا متعاطفين مع أنور العولقي، وننظر لما يقوم به تطرفاً محضا، وطبيعة اليمنيين إجمالا مسالمة، لا تميل للتعاطف مع العنف، لكن ذلك كله لا يعد مسوغاً كافياً لأن تتحول البلد لساحة جريمة قتل يراد تنفيذيها خارج نطاق القانون اليمني والأميركي على حد سواء.

فبعيداً عن حقوق الإنسان، يعلم الجميع أن السياسة الدولية والإقليمية وتحديداً أميركا والسعودية، ظلت تؤجج الاتجاه المتزايد للنظام اليمني نحو التضحية بحقوق الناس باسم الأمن ولمصلحته وحسب.

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع يا صديقي، ومعلومات قيمة جدا...
    لكن يبدو أننا نكتب لأنفسنا ونقرأ وحدنا

    ردحذف
  2. رائع منك يا محمد الحكيمي هذا العرض والتحليل المترابط بوقائع محددة وثابتة.تذكرني بالصديق العزيز الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي بمقالاته ونظرته الثاقبة للأمور.

    ردحذف