التسميات

21 مارس 2014

حكومة الوفاق في مهمة تـقـليـص الدولة

*محمد الحكيمي
أخيراً، قررت حكومة الوفاق الوطني في اليمن، بيع كل ما تبقى من ممتلكات الشعب، من خلال خصخصة البقية الباقية من المؤسسات والشركات المملوكة للدولة، الى شبكة جديدة من النافذين وأرباب القطاع الخاص على حد سواء.


الخبر السيء اليوم، أن الحكومة أعلنت شمول عملية الخصخصة هذه (التي بدأها نظام "صالح" قبل 5 سنوات) لتصفية وبيع قرابة 63 منشأة حكومية ما بين شركة ومصنع ومؤسسة وفندق، وفقاً للخبر الذي نشرته جريدة "الحياة" اللندنية في عددها الصادر اليوم، والذي أشار الى ان الحكومة اليمنية أحالت الأمر أخيراً "إلى مجلس النواب للمصادقة عليه، وأوضحت أن عدد المشاريع الحكومية التي يجري تقويمها للخصصة، تشمل 47 شركة حكومية، و21 شركة صناعية و7 شـركات زراعيـة وتجارية، و3 شركات للأسماك، و3 في قطاع النقل، و 6 شركات سيـاحية و4 بنوك حكومية بينها: بنك التسليف التعاوني الزراعي، وبنك التسليف للإسكان، وشركة واحدة في قطاع النفط هي مصافي عدن".
معظم هذه الشركات والمؤسسات التي سيجري بيعها، أنشأت منذ مطلع السبيعنات، في عهد الرئيس اليمني الراحل ابراهيم الحمدي، وحينها بدأت عملية التنمية تشق طريقها بصعوبة، لدرجة أنها دفعت باليمن آنذاك، لأن تصنف ضمن الاقتصادات الصاعدة على مستوى المنطقة. وما من وصف يليق بالإجهاز على ما تبقى لنا من إرث شعبي، غير أن اليمن تتهيأ الآن لعملية تدمير ممهنجة تقودها حكومة الوفاق الوطني.
هل تعي الحكومة فداحة ما ستقوم به، وهل فكرت بمصير العمال والموظفون الحكوميون في كل هذه المؤسسات التي تنوي بيعها. النتيجة الوحيدة لذلك، أن هؤلاء العمال سيدفعون الثمن وسيفقدون وظائفهم، أو سيتعين عليهم الرضوخ لقائمة من الشروط المجحفة التي ستفرض من قبل الإدارة الجديدة في حال وافقت الأخيرة لهم بالاستمرار معها. وفي الحالتين: العمال هم أكبر الضحايا وحسب.
تخيلوا فقط، حجم الأضرار المادية التي سيتعرض لها أكثر من 12.000 ألف موظف وعامل لدى المؤسسة العامة للاتصالات، وشركة "يمن موبايل"، و"تيليمن" بالإضافة الى هيئة البريد.
وزارة الاتصالات اليمنية، حذرت من خطورة هذا الإجراء، وأعلنت رفض موظفيها خصخصة خدمات قطاع الاتصالات، وقالت أن:"خزينة الدولة ستخسر ما يقارب 60 مليار ريال سنويا من هذا القطاع"، وفقاً للمذكرة التي رفعها وزير الاتصالات، لرئيس الحكومة قبل يومين.
هل تعي حكومة الوفاق الوطني، خطورة: مقايضة الدين الخارجي بملكية المشروعات الوطنية المملوكة للدولة ؟.. شخصياً..لا أظن أنها تدرك، أو أنها مكترثة لذلك.
السيئ في الأمر، أن الأرباح والفوائد والدخل الذي سيجنيه الملاك الجدد لهذه المؤسسات، سيؤثر في الأجل المتوسط على زيادة العجز في ميزان المدفوعات، ولعل الأسوأ أن المستثمرين المشترين (يمنيين كانوا أو أجانب) سيملكون نصيباً في الدخل المحلي المخفض، وهو ما يتضاعف مع زيادة تحويل الديون إلى حقوق ملكية، وسيظل الأمر مستمراً طالما بقيت المشاريع مملوكة لهؤلاء الغرباء.
وفي بلد كاليمن، ستـفـتـح عملية خصخصة المؤسسات الحكومية الخدمية، المجال لبروز هيمنة اقتصادية لنافذين بمجرد تمليكهم مؤسسات وشركات الدولة، وبالضرورة سيتم منحهم امتيازات وضمانات، سيتضرر منها البلد، وسيصبح لهم الحق في حرية تحديد الأسعار والأجور، وبالتالي سيحصلون لا محالة على قائمة طويلة من الإعفاءات الجمركية والضريبية، وهو ما يتعارض مع السياسات القومية التي سيجري انتهاكها بشكل صارخ.
الكارثة أن عملية بيع الأصول التي تملكها الدولة للقطاع الخاص، تعني تحويل الديون الخارجية إلى أصول إنتاجية. هذا الأمر قد يـجـبر البنك المركزي اليمني، إصدار المزيد من النقود، من أجل مواجهة طلب تحويل الدين الخارجي إلى نقد محلي، وهذا يعني زيادة التضخم، وارتفاع الأسعار، واتساع جغرافيا الفقر في البلاد.
اليوم، تقف الحكومة، بعيدة كل البعد عن مبدأ المصلحة العامة، من أجل سد عجزها وتغطية شهية نفقاتها، فالحكومات التي تحترم شعوبها، و تراعي مصالحه، لن تقدم على بيع ممتلكاته، لمجرد أنها فشلت في ادارة هذه الممتلكات أو أخفقت في حمايتها.
بيع ممتلكات الدولة، لن يجلب لليمنيين الرخاء، بقدر ما سيجلب لهم الاحباط، فالأمر برمته ليس سؤى نتاج لقرارات ارتجالية تفضي إلى بيع مؤسساتنا الوطنية بمزاد بخس، وربما بسعر أقل من سعرها في السوق، والسبب أنها ستـؤول لشبكة من النافذين أو الشيوخ، ولن تخرج صفقة البيع من دائرة مراكز القوى التقليدية، طالما أن بمقدورهم التأثير على صانعي القرار، وكل ما ستنجزه الحكومة هو تحويل مؤسسات الشعب من يد الدولة، الى قبضة القطاع الخاص الذي تديره الشركات العائلية، وما على اليمنيين سوى الاستعداد لتحمل حقبة جديدة من الفساد والرشاوى والحقوق المهدورة.
بعيداً عن فلسفة القرار الرسمي، أوفشل الحكومة، أوفساد القطاع العام، فإن الأمر المؤكد هو أن حكومة الوفاق الوطني ليست أكثر نزاهة من كل الحكومات الفاسدة التي عانى منها اليمنيين في السابق، وهي بذلك تكون قد حجزت موقعها في قائمة أسوء الحكومات التي أعاقت بناء الدولة، إن لم تكن قد تفوقت أكثر من غيرها، في ادخال اليمن لمرحلة تدمير ما تبقى من الدولة، وهي في طريقها الان لتحقيق ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق