التسميات

04 نوفمبر 2016

عن انهيار الطبقة الوسطى في اليمن

شاب من اليمن ينتظره مستقبل مجهول. حقوق الصورة: By Eric-lafforgue

محمد الحكيمي
بخطوات مريرة، تمضي الطبقة الوسطى في اليمن، إلى درجة الصفر؛ لتلوح في الأفق كارثة أخرى يُصعب تفاديها، في ظل حرب مستعرة، وأزمة انسانية متفاقمة.


تقريباً؛ وعلى مر 4 عقود ونصف، لعبت الطبقة الوسطى في اليمن، دوراً بارزاً في تنفيذ عمليات التحول الاقتصادي والسياسي في الحياة اليمنية. كونها ظلت مؤثرة في الاستقرار الاجتماعي في البلاد. إذ عززت هذه الطبقة الطلب على البضائع والسلع التجارية؛ وخلقت نوعاً من التنافسية بين قطاعات الاعمال؛ وظلت تدفع باتجاه تحسين الخدمات الأساسية.
ووسط النزاع الحالي الذي تشهده اليمن؛ تتوق الطبقة الوسطى أكثر من غيرها، الى العدالة الاجتماعية والاقتصادية. ولعل هذا الطموح المنشود وفق الظرف الراهن يجعلها أكثر عرضة للاستهداف.

وفي معرض الحديث عن الطبقة الوسطى في اليمن، لنعرف اولاً من هم المنتمين لها. فوفقاً لتعريف الأمم المتحدة فهي: "طبقة اجتماعية ليست فقيرة، ولا ثرية، وليست معرضة للفقر. تشمل العاملين في القطاعين الخاص والعام في الوظائف الإدارية، من ذوي التحصيل -الثانوي والجامعي- وهي الفئة التي تستطيع تأمين كافة احتياجاتها الأساسية". تعلوها طبقة الاثرياء -الميسورين- وتدنوها طبقتين أقل منها: المعرضون للفقر؛ والفقراء.

ينتمي لهذه الطبقة: الموظفين، والمهنيين وأصحاب المهارات والشباب خريجي الجامعات. وهم بعبارة أخرى: المهتمين بالسياسية، والانتخابات، وقراءة الصحف، والفنون، والتسوق، والمهتمين بالحراك الاجتماعي العام. كل هؤلاء يشكلون عصّب المجتمع، وهم قوة التغيير الحقيقية في البلاد.

في الحياة اليمنية، برزت الطبقة الوسطى باعتبارها أكبر شريحة اقتصادية في البلاد. إذ يعيش 71% من المنتمين لها في المناطق الريفية معتمدين على الزراعة. وقد ظلت هذه الطبقة مستقرة الحجم نسبياً لمدة عقد. إذ وصل عدد المنتمين لها قرابة 12 مليون شخص في نهاية 2010. ونتيجة تصاعد الفساد والبطالة وغيره، انتفضت الطبقة الوسطى وقادت الاحتجاجات الشعبية في 2011. وفي اعقاب ذلك برزت أزمة اقتصادية، تأثرت بها هذه الفئة بشده، وتراجع حجمها الى 9 ملايين يمني بنهاية 2011. بحسب احصاءات الأمم المتحدة.

اليوم، مع ارتفاع الأزمة الإنسانية والاقتصادية البالغة التعقيد؛ وتصاعد الحرب، انهارت الطبقة الوسطى لمآل سيء. لقد قفزت نسبة الفقراء في اليمن من 54%، الى 80% من اجمالي السكان، وفقا لتقرير البنك الدولي الذي سجل ارتفاع عدد الفقراء اليمنيين من 12 مليون، إلى أكثر من 21 مليون شخص. إذن من اين جاء كل هؤلاء الفقراء؟
ببساطة: لقد جاؤوا من فئة أعلى من الفقر، من الطبقة الوسطى. فقبل اندلاع الحرب في مارس 2015، كان مواطنو الطبقة الوسطى بحاجة فقط إلى التمكين الاقتصادي: فرص عمل وخدمات لائقة. لكنهم اليوم بحاجة إلى الاغاثة والمعونات الانسانية.

هذا الانهيار المخيف، شمل غالبية اليمنيين الذين لم يكونوا فقراء؛ فطبقاُ لبيانات المسح العالمي للقيم، في تقرير اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة "الاسكوا" الصادر في 2014، فإن نسبة 48% من سكان اليمن المنتمين للطبقة الوسطى، قد تقلص عددهم الى38.1%. وتدريجيا تقلصوا من 12 مليون يمني الى 9 مليون ونصف. ونتيجة الازمات استمر التقلص وانخفض عددهم لنسبة 18% من السكان. ووصلوا حوالي 4,5 مليون ونصف. ثم هبط نصيب الطبقة المتوسطة من 18% إلى 10%. وصل العدد قرابة 2,500 مليون شخص.

هل هذا كل شيء. لا. لقد واصلت الطبقة الوسطى استمراراها في الانهيار لأبعد حد، حتى وصلت نسبة 8% من السكان، ما يعادل 2 مليون يمني فقط.

ومع تفاقم أزمات البلاد؛ ودخول الحرب عامها الثاني؛ وعدم صرف الرواتب الحكومية؛ وانعدام الفرص والوظائف والخدمات؛ ستهبط الارقام أكثر في قصة انهيار فئة مهمة من اليمنيين، وقد يتقلص عددهم للنصف، لأقل من مليون شخص، وقد يبلغ الأمر لأبعد من ذلك.

تقول الأمم المتحدة اليوم، أن "الموت من الجوع يهدد اليمنيين، وان هناك 21.2 مليون يمني بحاجة ماسة إلى مساعدات طارئة".
انها كارثة كبرى، ستدفع بالمجتمع اليمني الى فقدان ما تبقى من التوازن الاجتماعي القائم، وستجبر شريحة واسعة على العيش في الهامش. ما هو مخيف ان انهيار الطبقة المتوسطة وانزلاقها نحو خط الفقر، سيحصر اليمن في طبقتين متصارعتين: ثراء فاحش، وفقر مدقع.

هذا الأمر يدفع بمزيد من الانقسامات والصراعات المجتمعية وتبديد السلم الاجتماعي. وباختفاء الطبقة الوسطى سترتفع دورة العنف؛ لدرجة تصبح فيها الجريمة كوسيلة لتأمين لقمة العيش. فمع غياب الدولة شمالا وجنوبا، وتفتت الاستقرار في مجتمعات الريف والحضر، يبدو أننا ماضون في طريقنا الى ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق