* محمد الحكيمي
« يغدو الرجل أمام المرأة كائناً مذعوراً أحيانا، وثائراً مغلوباً على أمره أحياناً أخرى» فولجانج ليدريــــر (1).
إن طرحنا المبدئي وعرضنا الموجز لموضوع خشية الرجل من المرأة على المستويين الشخصي والاجتماعي، واستعانتنا ببعض صور تداعيات هذه الخشية يثير عدة تساؤلات عما سيئول إليه حال العلاقات بين الرجل والمرأة في ثقافة العصر الجديد عالمياً، وثقافة مجتمعنا المحلي الذي لا يزال - وفق معايير التقدم المادي وأسس الإزدهار الثقافي بمفهومه الواسع في عالمنا المعاصر -متخلفاً اجتماعياً بالرغم من الإنجازات الرسمية والمشاريع الإعمارية، فهل سيبقى الصراع بين الرجل والمرأة على حاله كما كان عبر العصور وإن تباينت صوره واختلفت دواعيه وتغيرت نتائجه، أم سيتمكن الإنسان، هذا المخلوق المبدع في عصره القادم من تحويل الصراع إلى تحالف بناء ؟!
فما اكثر الحديث عن معاناة المرأة من جراء قهر الرجل لها عبر العصور، وماأقل الحديث - وإلى حد الندره - عن معاناة الرجل من جراء قهر المرأة له عبر العصور أيضاً، بل من المحتمل أن يتصاعد الأمر مستقبلاً بصورة أو بأخرى، فالمرأة تتجنب الحديث عن القهر النسوي للرجال والاعتراف به والإعلان عنه حتى لا تفسد قضيتها في التحرر من قيد المجتمع الذكوري ومطالبتها بالمساواة وإنه الحديث أيضاً الذي ينكره أغلب الرجال ويأبى الكثيرون منهم حتى الخوض فيه سراً أو علناً حتى لا تطعن رجولتهم وتتحطم كبريائهم وتنهار دعائم اعتقادهم الراسخ بالتفوق والتميز على الجنس الآخر ( أي المرأة )، وأياً كان الأمر سنضع التفسيرات التحليلية الآن جانباً ونتطرق - ولو بإيجاز - إلى وجهة نظر لبعض صور التداعيات الاجتماعية التي نفترض ارتباطها بمقولة خوف الرجال من النســـــــاء (2).
يُعتقد أن أحد مظاهر هذا الخوف وتداعياته غالباً ما قد يعظم أمره إزاء الدعاوى القائمة والمطالب المتزايدة من قبل المرأة بمساواتها مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات وإعادة النظر في طبيعة العلاقات بين المرأة والرجل لتتواكب ثقافة العصر الجديد.
تبلورت هذه المطالب وشاعت في انحاء كثيرة من العالم، وبخاصة في المجتمعات الغربية ولو بدرجات متفاوته، بتشجيع وبتنظيم الحركات النسوية السياسية التي ازدهرت وتعددت منذ سبعينات القرن العشرين، ولعل من بين الأدوار التي استجدت، نتيجة فلسفة ونشاطات تلك الحركات التفرقة بين مفهوم الجنس ( Sex )بمعناه الطبيعي أو البيولوجي، ومعناه الثقافي أي الجنس الثقافي ( Gender ) حيث ان الجنس الطبيعي عضوي أساساً، أما الجنس الثقافي فيشير إلى هوية جنسية مكتسبة ثقافياً (3).
إن هذه النقلة من الطبيعة إلى الثقافة في مفهوم الجنس يترتب عليها - ولا شك - إعادة النظر كلية في نظرة الرجل التقليدية للمرأة وفي أساليب التعامل معها، الأمر الذي اضحى مصدر خشية أو خوف من قبل الرجل لما يتبعه من تفويض لدعائم توزيع المجتمع لأدوار المرأة والرجل المتعارف عليها والراسخة منذ أمد بعيد، فدعوى المساواة في حد ذاتها أمر يزعج الرجال بل يُخيفهم لما تحمله بين طياتها من تهديد لمكانتهم ونزع لسيطرتهم وتقليل من أهمية إدارتهم لمناحي كثيرة من الحياة الاجتماعية سواء في المنزل أول العمل، وقد يخشى الرجل أيضاً أنه مع الفكر العولمي التغريبي الشائع في الوقت الراهن والانفتاح الإلكتروني المتزايد يوماً بعد يوم سوف يتبلور في المستقبل القريب نظام عالمي ذكوري - أنثوي جديد تتحدد فيه المكانات والأدوار والمسئوليات وفق تقنية العصر الجديد.
وقد يعتقد بعض الناس خطاء أنه إذا حدث ذلك، فالأمر ربما يقتصر على المجتمعات المتقدمة أو على فئات محدودة داخل المجتمعات التقليدية، فلن يسود النظام الجديد المرتقب مثلاً في الريف، هذا إن تم .. أصلاً في الحضر إلا ان الواقع ينبئ بغير ذلك، فنحن نقراء في الوقت الحاضر عن التزايد المضطرد لأعداد الأسر التي تعولها المرأة في المدينة والريف على حد سواء، ولقد ألفنا أيضاً هذه الأيام سماع مصطلح « إمرأة أعمال » ومن المتوقع أن يعم استخدامه مع تزايد هذه الظاهرة الأمر الذي غالباً ما يزيد من خشية الرجل للمرأة لمزاحتمه في هذا المجال وربما يؤصل هذه الخشية المعتقد الراسخ في تراثنا الشعبي بمكائد المرأة التي تتغلب على أحتراس الرجل وفطنته، فيصبح ألعوبة في يديها مهما سمت مكانته الاجتماعية والسياسية والعقلية.
وتفسد استنتاجاته المنطقية أمام مؤامراتها وذكائها الموجه نحو المكر والخداع، فليس ثمة اذكى من المرأة في الحصول على المال، كما جاء في القول المأثور لأرسطو فاينس اليوناني ( القرن الرابـــــع ق . م ).
وهكذا تلعب المعتقدات الشعبية عن طبيعة المرأة وسلوكياتها دوراً لا يجب إغفاله أو التقليل من أهميته في تشكيل العلاقات بين الرجل والمرأة في بناء الثقة أو تضخيم عدم الثقة بينهما بما في ذلك مخاوف الرجل من المرأة، وبالرغم من زعم الرجل، بزهو وغطرسة أحياناً إمكان الإستغناء عن المرأة أو استبدال واحدة بأخرى، وما تتضمنه ايضاً العديد من الأمثال الشعبيه والأقوال المأثورة من تأكيدات لحاجة المرأة لرجل، وأنها بدونه كالحديقة دون سياج (4) إلا أن وقائع الحياة الاجتماعية تشير إلى أن الرجل ايضا يعتمد على المرأة بنفس القدر، وربما اكثر، فحاجة الرجل إلى المرأة غالباً ما تولد لديه احساساً بالخوف من فقدها.
من جانب آخر نتساءل ايضاً عما قد تحدثه عولمة ثقافة العصر الجديد وقيمه، ومدى انقياد مجتمعنا المحلي لها ولتقنيتها السايبرية ( الفضائية ) المصاحبة لها، دون توجه أو رقيب، من تأثير على كيان الأسرة، زوجاً وزوجة وأبناء ، وطبيعة العلاقات بينهم ؟ ولعلنا نفترض في هذا السياق، وبناء على ملاحظات أولية عن الواقع الاجتماعي (وإن كنا لا نعمم في هذا الصدد ) أنه ربما يواجه المجتمع مستقبلاً مشكلة اجتماعية خطيرة تتمثل في الازدياد المضطرد للتفكك الأسري عامة، وفي شيوع حالات، استغناء الزوجات عن ازواجهن، وفي فتور العلاقات بينهم إلى حد الانفصال أو الطلاق، إذا تيسر للزوجة الاستقلالية المادية بحيث لم تعد في حاجة لأن يعولها الزوج.
جنباً إلى جنب مع فتور أو انعدام العلاقة الجنسية بين الزوجين بسبب عدم الرغبة فيها أو إمكان إشباعها عن طريق تقنية الجنس الإفتراضي VirtualSex أو العلاقات خارج الزوجية التي غالباً ما تشجعها وتستر عليها أجواء الانحلال الأخلاقي وتدهور القيم الاجتماعية، وانحسار اهمية التعاليم الدينية، إن موضوع خوف الرجال من النساء يُشكل أمراً معقداً، يحتاج إلى جمهرة من المتخصصين لدراسة هذا الشعور وطرح المنهج الملائم لدراسته، والوقوف على طبيعته ودوافعه ونتائجه.
** بيلوغرافيا المراجع
(1) راجع المصدر التالي :-
Wolfgang. Lederer . 1968 The fear of woman. New york: HarcourBrace jouanovich
. (2) يرى حسين محمد فهيم - باحث الانثروبولوجيا - أن المرأة تقهر الرجل في صمت حتى لا تخسر قضيتها في انتزاع حريتها الكاملة من المجتمع الذكوري.
(3) يختلف مفهو النوع الاجتماعي / الجندر عن مفهوم الجنس الذي يحدد الصفات البيولوجية الثابتة التي لا تقبل التغيير، فالجنس يشمل (طبيعة، ذكر / انثى، مميزات جنسية، اعضاء / وظائف، ثابتة لا تتغير، وأفراد ).
والنوع الاجتماعي / الجندر يشمل ( ثقافة / عادات / تقاليد / اقتصاد، امرأة رجل، مميزات اجتماعية / ثقافية / وضع / صورة، ادوار / علاقات، ومتغيرة في المكان والزمان، ومجتمع / محيط / مؤسسات ) ويمكن تمثيلها بالفروق على تشكل جدول يوضع الفروق بين الاثنين - ( الملتقى The Forum ) - نشرة صادرة عن ملتقى المرأة للدراسات والتدريب، العدد الثاني.
(4) يُذكر من بين الأقوال المأثورة مقولة المرأة وحدها لاشئ ( اسخيلوس، القرن الخامس ق.م ) وكما يقول المثل الهندي « المرأة بلا زوج هي حقل بلا مطر ».
نشرت في مجلة ( أمان ) المركز العربي للدراسات حول العنف ضد المرأة - الاردن - 2005 .
http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=744
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق