التسميات

12 يوليو 2012

مآسي المرضى اليـمنـيـين في مستشفيات الأردن


مسافرين في مطار الملكة علياء الدولي | تصوير: شيرين مازن.

* محمد الحكيمي | عمـّان
في الـ24 من فبراير الفائت ، كان بمقدور المسافرين الواصلين مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية عمّان،التعرف على نظرائهم اليمنيين ببساطة ، فبمجرد دخول جميع المسافرين من وجهات مختلفة إلى صالة الوصول،صاح أحد ضباط أمن المطار الأردني:" أبو يمن .. تحركوا من هذا الشباك؟!".
بدت ملامح الكثير من المسافرين اليمنيين في تلك الرحلة متعبة ، كانوا يرتدون ملابس بالية ومظهر غالبيتهم غير مهندم ،وبينهم عدد من كبار السن من الرجال والنساء يرافقهم أقربائهم الذين بدوا محرجين من تنويه الضابط الأردني حينما كانوا يقومون بمساعدة ذويهم على المشي وبعضهم يسير بعكاز.
وبدا الأمر محرجاً لبقية المسافرين اليمنيين الواقفين معهم بذات الطابور، فقد وصولوا عمان لأغراض أخرى لا علاقة لها بالعلاج.وشعروا فجأة بنوع من التمييز داخل صالة المطار.

سيقول لك أحد موظفي مطار الملكة علياء وهو يحمل لك الحقائب:"هذا المشهد يتكرر باستمرار..لقد اعتادوا هنا وصول الكثير من المرضى إلى عمان، لكنهم يعرفون أن المرضى القادمين من اليمن بحاجة إلى تنويهات كهذه ، لأنهم يجهلون إجراءات المطار". وينهي حامل الحقائب حديثه قائلاً:" في النهاية اليمنيون يأتون الأردن مرضى وليسوا سُياح".
بلـد مريض في 100 مستشفى
تنتشر الكثير من أوجاع اليمنيين داخل مستشفيات المملكة الأردنية ، و تبدو الحكومة اليمنية أحد أبرز أسبابها كونها لم تضع لمواطنيها أدنى قيمة أو احترام، ولعل هذا يعد سبباً كافياً لحدوث ذلك كله.
يغادر اليمنيون المصابون بأمراض عديدة من مدنهم بعد حالة يأس من مستشفيات البلاد ، يجمعون كل ما يملكونه من مال، ويتوجهون بأوجاعهم وكل أملهم بأن تخفف الأردن بخبراتها الطبية من تلك الألأم.بيد أن آمال كثيرين سرعان ما تتحول إلى مآسي مؤلمة لا يمكن توقعها على الإطلاق.
المستشفى التخصصي بعمان | الصورة: موقع المستشفى.
توجد في الأردن أكثر من 100 مستشفى ومركز طبي ومجمعات صحية وعيادات،وتنظم عمل الخاصة منها جمعية المستشفيات الأردنية. تحظى مستشفيات عديدة ومنها مدينة الحسين الطبية الحكومية بسمعة طبية ذائعة الصيت، وهي متفوقة في مضمار الرعاية الصحية بحسب التصنيف الإقليمي ، وقد شفت خبراتها الكثير من المرضى اليمنيين بعضهم كان في حالات خطرة، لكن هذا لا يعني أن كل مستشفيات عمان جيدة، وهذا بالضبط ما يؤكده غالبية كبرى من المرضى اليمنيين العائدين من عمان.
لكن الكثير من اليمنيين الذين قصدوا مستشفيات ومراكز طبية خاصة وعيادات في عمان وقعوا ضحية الاستغلال والسمسرة.وعانى البعض من ابتزاز الأطباء في مداخلاتهم العلاجية ، وآخرين تركوا عرضة الإذلال حتى يدفعوا قيمة فواتير علاج باهظة. و ما هو مؤلم للغاية أن يفقد اليمني حياته في بلد غريب وهو يحاول جاهداً تأمين ثمن بقائها.
تكمن الكارثة في أن معظم المراكز الطبية والمستشفيات والعيادات الأردنية الخاصة لا تخضع أجور العلاج فيها إلى التعرفة الرسمية المحددة، وهي تتعامل مع المرضى اليمنيين باستغلال تام كون غالبيتهم يأتي من الأرياف وليس لديه فكرة مسبقة عن النفقات. ولعل هذا ما يخول للمراكز الطبية والمستشفيات التعامل معهم بسلوك خالِ من الاحترام ،حتى أضحى الأمر ظاهرة لعدد كبير من هذه الجهات.كونها تقوم باستغلال المرضى اليمنيين دون غيرهم وبشكل لا إنساني، غير مراعية تماماً لظروفهم المادية أو المرضية على الإطلاق.
سيخبرك الكثير من المرضى اليمنيين في عّمان أن هذا الأمر صار سائداً وبصورة طبيعية تعلو مؤشراتها في مستشفيات الأردن الخاصة، خصوصا عندما يتعلق برفع أسعار علاج اليمنيين بأضعاف خيالية تفوق لائحة الأجور الرسمية، فضلاً عن التعامل معهم بنوع من الابتزاز دون تقدير لأدميتهم .وكل هذا يحدث على مرأى ومسمع الحكومتين: الأردنية واليمنية على حد سواء.
لعل هذه القضية تثير نوعاً من الأسئلة على شاكلة: ما الذي يمثله المواطن المريض بالنسبة للحكومة اليمنية؟.خصوصاً أنه سبق مراراً لأطراف يمنية مختلفة أن شكت من تعرض مرضاهم لاستغلال مستشفيات أردنية بصورة فاضحة. لكن ما من أحد يهتم.
أكبر مشاكل المرضى اليمنيين
يفد الأردن بشكل شبه يومي كثير من المرضى اليمنيين طلباً للعلاج. ويتردد العشرات منهم كل يوم على بوابة السفارة اليمنية في عمان لمراجعة الملحق الصحي ، لدرجة أن عدد المراجعين يصل في بعض الأيام من 40 إلى 50 مريضاً بحسب الملحقية الصحية في السفارة اليمنية.هؤلاء المرضى تختلف مشاكلهم من مريض لآخر، وتتجاوب الملحقية الصحية مع بعض المشاكل التي يتعرض لها المرضى وهي كثيرة للغاية.
سفارة اليمن في عمان | تصوير:عادل عبدالمغني
يقول أحد موظفي السفارة اليمنية في عّمان (فضل عدم ذكر اسمه) أن "أكثر تلك المشاكل تكمن في صعوبة الإيفاء بالالتزامات المالية المترتبة على المرضى للمستشفيات الأردنية الخاصة والتي غالبا ما تكون ناتجة عن المبالغة في أسعار المداخلات العلاجية والجراحية أو أجور الأطباء والتي لا يتم الاتفاق عليها سلفاً وإذا تم الاتفاق تتنصل المستشفيات من الالتزامات التي وعدت بها بحجة حدوث مضاعفات مرضية وعلاجية".
تخيلوا أن من بين الشروط التي يوقع عليها المرضى اليمنيين في مكاتب الاستقبال بالمستشفيات الخاصة ،يوجد بند الموافقة على إجراء أية مداخلات طبية أو جراحية يراها الطبيب ضرورية وهو ما يعرف بالرضى المفتوح الذي ليس له أي سند قانوني .ولعل هذا سبب كاف لمعرفة مصدر الاستغلال.
إلى جانب ذلك تبرز مشكلة حجز جوازات المرضى و مرافقيهم وهو إجراء صار شبه دائم في كافة المستشفيات الخاصة ضماناً لتسديد الالتزامات المالية المترتبة جراء المعالجة وإجراء المداخلات العلاجية والجراحية والفحوصات المخبرية والإشعاعية والتي يكون بالضرورة إجراؤها مع عدم التزام معظم المستشفيات والمراكز الطبية الأردنية بتسعيرة نقابة الأطباء الأردنيين ووزارة الصحة الأردنية، فضلا عن ذلك يأتي ابتزاز المستشفيات وبعض الأطباء للمرضى اليمنيين إذ يقوم بعضهم بوصف علاج عربي غير مسجل.
علاج اليمني يزيد 3 أضعاف عن غيره
لدى معظم المستشفيات والمراكز الطبية الأردنية أسعار مختلفة لتكاليف علاج المريض اليمني مقارنة بالأسعار التي تعطى للمريض الأردني وهو ما يعرف بأسعار شركات التأمين.
وفي تسعيرة تلك التكاليف يصل إيجار الجناح في معظم المستشفيات الأردنية إلى أكثر من 100 دينار أردني وسعر الغرفة الأولى ممتاز يفوق 60 ديناراً وهذا ما يتم احتسابه للمريض اليمني.
 في حين أن هذه المستشفيات تمنح الجناح لشركات التأمين بـمبلغ 36 ديناراً فقط وقيمة الغرفة الأولى ممتاز 24 ديناراً . وهذا يعني أن الأسعار التي تعطى للمريض اليمني تزيد عن ثلاثة أضعاف السعر الذي يعطي لشركات التأمين، ولعل هذا في كل شيء من أسعار العمليات الجراحية وأجور الأطباء وغيرها.
ويؤكد البعض أن المستشفيات الأردنية الخاصة رفضت إعطاء المريض اليمني نفس أسعار شركات التأمين المعطاة للمريض الأردني، وان غالبية المستشفيات رفضت التجاوب مع طلب تقدمت به السفارة اليمنية في عمان  قبل أعوام لإعطاء المرضى اليمنيين أسعارا مماثلة كالأردنيين.
بيد أن مستشفى الاستقلال ومستشفى الأردن والمستشفى الإسلامي والمستشفى الجامعي كانت من المستشفيات التي وقعت مع الملحقية الصحية بالسفارة اليمنية اتفاقية لمنح المريض اليمني قيمة التسعيرة الممنوحة للمريض الأردني، لكنها تخفيضات رمزية مقارنة بالأسعار المحددة ،وهو ما يفسر ذكر اسم هذه المستشفيات ضمن النصائح الممنوحة من قبل السفارة إلى المرضى المترددين على السفارة لأجل التنسيق والتشاور مع الملحقية الصحية لتوجيههم وإرشادهم حتى لا يقعوا ضحية الاستغلال.
دور بسيط للسفارة اليمنية
السفير اليمني في عمان الدكتور شائع محسن الزنداني لا ينكر وجود مشاكل جمة للمرضى اليمنيين في مستشفيات الأردن، وفي لقاء جمعه مع صحفيين يمنيين تواجدوا في عمان الشهر الفائت ، قال السفير الزنداني أن عدد من المرضى اليمنيين تعرض لنوع من الاستغلال من بعض المستشفيات الأردنية.وأن السفارة اليمنية تبذل ما بوسعها مع الجانب الأردني لحل مشاكل البعض ووضع النصائح أمام البعض الأخر، وأنها تولي تنظيم اهتمامها بقدوم المرضى اليمنيين بقصد العلاج ومتابعة شؤونهم وإرشادهم حول أماكن علاجهم ومدى توفر الخدمة العلاجية التي يطلبونها ونجاحها من الناحية الطبية.
السفير اليمني بالاردن شائع الزنداني| تصوير:عادل المغني
ومع ذلك يقول السفير الزنداني أن المستوى الطبي الأردني يعد الأفضل في المنطقة، وأنه يلائم رغبة الكثير من المرضى اليمنيين بتلقي العلاج في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة في الأردن ، ويؤكد الزنداني أن عدد المرضى اليمنيين الذين زاروا الأردن العام 2011 بلغ  نحو25 ألف مريض يمني.فضلاً عن مرافقيهم الذين قد يبلغون العدد ذاته.
الملحقية الصحية في السفارة اليمنية تكتفي غالباً بعمل إعلانات داخلية أمام اليمنيين الراغبين في تلقي العلاج بالمستشفيات الأردنية ، ولعل الدكتور عبدالوهاب العلفي وهو الملحق الصحي بالسفارة يدعو باستمرار إلى ضرورة مراجعة اليمنيين للسفارة قبل توجههم إلى أي مستشفى ليصار من خلال السفارة توجيههم إلى المستشفيات التي تراعي ظروفهم وتقدم خدمات أفضل من دون أي استغلال.
يشير العلفي أن السفارة اليمنية في عمان حذرت باستمرار رعاياها المرضى القادمين إلى الأردن بقصد السياحة العلاجية بتوخي الحذر من بعض المستشفيات الخاصة للعلاج فيها. وتؤكد سجلات الملحقية الصحية اليمنية إن هذا التحذير يأتي بعد ازدياد حالات استغلال المرضى اليمنيين وعدم تجاوب بعض المستشفيات الخاصة مع السفارة في حل هذه القضايا ومنها تضخيم فاتورة العلاج وحجز جثث المرضى المتوفين وجوازات سفرهم وسفر المرافقين معهم.
وقبل 3 أعوام كانت وزارة الصحة والسفارة اليمنية في عمان، شكلتا لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع المرضى اليمنيين، والإشراف على علاجهم في الأردن.لكن بالرغم من موقف الوزارة والحكومة الدور الطبي الأردني في هذه القضية، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى العكس.
ففي الأخير يجد المرضى أن السفارة اليمنية تظل مكتوفة الأيدي للقيام بشيء قبل أن يحدث أي مشكلة لأي مريض يمني ، أو قبل أن تصلها شكاوي يمنيين على المستشفيات التي تقوم غالباً بحجز جثث المرضى المتوفين وحجز جوازات سفرهم وجوازات سفر المرافقين معهم.
الأب الذي دفـع فاتورة موت ابنه كعامل نظافة لسنتين
ربما كانت قصة معاناة المواطن اليمني "حسن" (وهذا ليس أسمه الحقيقي)، أحد أكبر قصص معاناة المرضى في العالم دون مبالغة. ذلك أن حدثها الأبرز هو الموت و جوهرها الإذلال وليس أقل من ذلك.
بدأت مأساة "حسن" حين أصيب ولده "محمد" بمرض عضال أخفقت معه الخبرات الطبية اليمنية،الأمر الذي قاده برغم وضعه المادي المختنق، لبيع كل ما يمكنه بيعه من أجل تأمين ثمن العلاج الكيميائي لولده الوحيد.
غادر"حسن" 56 عاماً من العاصمة صنعاء إلى أحد مستشفيات المملكة الأردنية الخاصة، يحمل ولده  والقلق والخوف لا يفارقان باله من إخفاق أطباء الأردن في علاج ابنه.
بعد دخوله أحد مستشفيات عمان ، تطلب الأمر لعلاج "محمد" من سرطان الدم الرضوخ لجلسات عديدة من العلاج الكيميائي ، ومع ثمن هذا العلاج.ارتفعت فاتورة مكوثه في المستشفى، واستنفذ الأب في أسابيع قليلة كل ما بحوزته من مال. الأمر الذي دفع إدارة المستشفى إيقاف جلسات العلاج مطالبة "حسن" بدفع ما عليه.حاول الرجل تدبير مبلغ إضافي ، لكن ما جمعه بدا زهيداً بالنسبة لإدارة المستشفى.
توسل الرجل لإدارة المستشفى ، وقام بكل ما يمكن لأي أب القيام به لإنقاذ ولده.ثم منحته المستشفى فرصة أخيرة لدفع بقية الفاتورة مهددة بإيقاف علاج "محمد" أن لم يدفع ما عليه كاملاً في اقرب وقت. دفع الرجل حينها 10000 دولار من فاتورته البالغة 27000 ألف دولار.
مستشفى الاردن عمان | الصورة: موقع المستشفى الالكتروني.
مرت 6 أشهر منذ دخول "محمد"المستشفى،وبدأت حالته تتماثل للشفاء، واستجاب الفتى لجلسات العلاج وبدت صحته أفضل حالاً من الحالة التي كانت عليه وقت مجيئه من صنعاء، وما لبثت حالته أن تستقر حتى أوقفت إدارة المتشفى العلاج مجدداً بحجة أن والده صار مديناً لحد كبير لم يعد بمقدور الإدارة الانتظار.
عانى "محمد" جراء توقف العلاج لفترة،ثم فارقت روحه الحياة فوق سرير الرقود ، ولم يكن بوسع الأب احتمال الأمر..انهار الرجل وقتها .. وحين أفاق "حسن" من غيبوبته لم يجد من يواسيه غير جثمان ابنه المتوفى.
لم يتوقع "حسن" مواجهة أقسى من هذه اللحظات،في حين أن الأشد قسوة كانت ما تزال في طريقها إليه،ولم يكن الرجل قد استجمع قواه حتى فاجأته إدارة المستشفى بمنعه من الخروج بجثة ولده قبل دفع ما عليه.. ثم بدأت مأساة أخرى لم يكن يتوقعها الرجل على الإطلاق.
انتهى أمر "حسن" بالبقاء رهن تصرف إدارة المستشفى،وبعد يومين من وفاة ولده، حكمت إدارة المستشفى على "حسن" بالعمل الإجباري بدوام فترتين في أروقتها حتى يكمل تسديد فاتورة علاج ولده.. وشددت على الحراس منعه من الخروج وسحبت منه جواز سفره ووثائقه، وبقى الرجل أشبه بالمسجون، يعمل بوظيفة عامل نظافة ، وألزمت عليه مهمة تنظيف الغرف والحمامات ، لعل راتبه يفي لتسديد فاتورة علاج ابنه المريض الذي قضى نحبه.
عمل "حسن" مجبراً رغماً عن أنفه مدة عامين كاملين داخل أروقة المستشفى الأردني ، وليس له من قريب يؤويه في عمان غير رواق المستشفى السفلي،وبعد مرور عامين أنهى الرجل فترة السداد المفروضة من إدارة المستشفى ، وتم أطلاق سراحه.
عاد "حسن" إلى صنعاء متعباً ومقهوراً ومهدوداً تماماً.عاد من الأردن بقلب حزين مليء بالغصة وبأحداث مريرة عاشها داخل المستشفى. لقد دفع المرء ثمناً باهظاً لوفاة ولده داخل مستشفى وليس زنزانة.
حاول بعض الطلبة اليمنيين إيصال معاناة "حسن" إلى السفارة اليمنية في عمان، لكن السفارة في الأخير تعكس حرص الحكومة في اهتمامها بالمواطن،لذلك بدت السفارة أخر من يهتم لقيمة "حسن" وآدميته المهدرة.. واليوم يمكث حسن في بيته بصنعاء وهو في حالة صحية ونفسية متردية وبالكاد يحاول البقاء على قيد الحياة.
"أم مريم" .. رقود إضافي لأجل فاتورة إضافية
 كانت حالة "أم مريم" من ضمن الحالات التي استغرقت للعلاج وقتا أطول مما يجب. فبدلاً من بقائها شهراً واحداً في مركز طبي خاص بالعاصمة عمان ، اضطرت ابنتها "مريم" تحمل أعباء إضافية لمدة شهرين ونصف لمجرد أن الطبيب المشرف عليها قرر ذلك بدافع شخصي لا طبي.
تقول مريم :"كانت المدة التي تطلبت إجراء عملية جراحية لوالدتي شهراً واحداً يشمل الرعاية الكاملة حتى يطمأن عليها الأطباء، وبعد نجاحها وتماثلها التام للشفاء وجدنا نوعاً من المماطلة كلما طلبنا المغادرة من المركز الطبي".
وتضيف مريم:"كان الطبيب المشرف على حالتها يقول أنها غير مستقرة بعد ، ويصر على إجراء فحوصات إضافية كلفتنا الكثير والكثير..في حين أنها كانت متحسنة جداً وتشعر بالضيق من البقاء على السرير وتتمنى الخروج ، وحين ضاق بنا الأمر قمنا بتقديم شكوى من سوء المعاملة في المركز الطبي ، بعد أن علمنا أن الطبيب كان يقوم بنوع من المغالطات على حالة والدتي الصحية من أجل زيادة النفقات التي كلفتنا أكثر من 11000 ألف دولار".
فاتورة "أكرم" من 7000 إلى 40.000
كواحد من ضمن الحالات التي تم التعامل معها بطريقة غير نزيهة في أحد المستشفيات الخاصة في الأردن، وجد المهندس اليمني"أكرم" نفسه أمام فاتورة خيالية بلغت مبلغ 40000 ألف دينار أردني أي ما يعادل (50.000 دولار أمريكي) ووجد أكرم هذه الفاتورة أمامه بعد وفاة عمه المريض داخل المستشفى.. يقول أكرم:" حالة عمي كانت نسبة النجاح فيها ضئيلة، وهذا قضاء وقدر لكن الفاتورة كانت ثقيلة جداً".
لجئ "أكرم" لتقديم شكوى إلى السفارة اليمنية في عمان، التي تولت القضية وتقدمت بها إلى مكتب وزير الصحة الأردني.ليقوم الأخير بتوجيه لجنة للتحقيق في القضية. وفي غضون ايام زار فريق التحقيق المستشفى محل الشكوى ، وعندها اكتشفوا أن الفواتير مبالغ فيها وأن إجمالي المبلغ المطلوب وفقا للأجور المحددة رسمياً هو 7000 ألف دينار، وسرعان ما تم حل هذا الأمر مع المستشفى.
الهروب من سلالم الحريق كوسيلة لعودة "زينب"
مطلع العام 2011 ، اضطر المواطن اليمني "سعيد" وهو أحد منتسبي القوات المسلحة اليمنية السفر إلى العاصمة عمان لعلاج زوجته "زينب" بعد أن عانى الرجل من أخطاء تشخيص حالتها المرضية في مستشفيات صنعاء.
المستشفى الاسلامي بعمان | تصوير: شيرين.
جاهد الرجل كثيراً للحصول على منحة علاجية من وزارة الدفاع اليمنية، كونه لا يقوى على تحمل نفقات التذاكر والعلاج والرقود في مستشفيات الأردن ، وحين وصل برفقة زوجته "زينب" 45 عاماً للعاصمة عمان ، لم يكن بحوزته مالاً وفيراً، بل خطابات ومذكرات رسمية يتولاها الملحق الصحي في سفارة اليمن بعمان تفيد بعلاج زوجته وتقييد فاتورة العلاج على حساب وزارة الدفاع اليمنية بما تقتضيه اتفاقية تعاون صحي مع الجانب الأردني.
كان حظ "سعيد" سيئاً للغاية، فإدارة المستشفى التي أوصل زوجته إليه كانت قد أوقفت علاج اليمنيين المنتسبين للقوات المسلحة بحجة أن فواتيرها السابقة لم تدفع بعد.
بيد أن الرجل اضطر لإبقاء زوجته داخل المستشفى والبدء بعلاجها ، ولم يكن يدرك أن علاج زوجته سيكلف مبلغاً باهظا اكبر مما كان يظن، ولم يخطر بباله قط أن المنحة الطبية العسكرية قد تتعثر.
وجد "سعيد" نفسه عاجزاً أمام نفقات العلاج والرقود والمواصلات وغيرها، ولم يكن في جيبه سؤى 2300 دولار، وبعد شهرين ونصف من المكوث في عمان، أدرك انه في ورطة حقيقية، فـإدارة المستشفى حملته فاتورة تشمل كافة النفقات نظراً لتجميدها لاتفاقية التعاون الصحي.
سارع الرجل بطلب العون من أقربائه في اليمن، واضطر بيع ارض زراعية وعدد من الماشية التي يملكها في قريته، و قام الأخ الأكبر لزوجته"زينب" ببيع سيارة نقل قديمة كان يعمل بها في الريف لإكمال المبلغ. لكن كل ما استطاع جمعه لم يتعدى مبلغ 7500 دولار ، وهو مبلغ لا يؤمن ثمن فاتورة  المستشفى التي بلغت 12000 دولار.
تعاطف اثنان من طلبة الطب اليمنيين الدارسين في عمان مع "سعيد"، حين تعرفوا عليه وزوجته في المستشفى. قادتهم معاناة الرجل لفعل أي شيء من أجل إخراجه من المستشفى. يقول "أحمد الحرازي" أحد المتعاطفين وهو طالب يمني يدرس الطب في عمان :" كلما مررنا بغرفة "زينب" وجدناها في حالة يرثى لها من البكاء والخوف على ما سيحل بها وبزوجها إن يسددوا ما عليهم، وفكرنا بأن نخرجها من المستشفى بأية وسيلة".
فكر "الحرازي" وزميله بخطة لإخراج "زينب" من غرفة الرقود ، وفي أحدى الليالي وجد الشابان أن الفرصة سانحة لتنفيذ الأمر كون القسم الذي ترقد فيه "زينب" كان هادئا تماماً. وفي تمام الساعة الـ 12.30 بعد منتصف الليل، سارع "الحرازي" بوضع "زينب" على نقالة،وارتدى معطف الطبيب.وقام بنقلها حتى نهاية أحد الممرات العلوية ، وعند السلالم الخلفية المخصصة لمخرج الطوارئ والحرائق ، قام بحمل "زينب" على ظهره وركض بها من السلالم ، في حين كان زميله الآخر يقوم بتأمين ومراقبة المخرج الآمن.
وبنوع من المخاطرة ، نجح الشابان في إخراج "زينب" دون أن تنتبه حراسة المستشفى ، وفي الخارج كان زوجها ومعه رفيقهم الثالث ينتظرون بقلق على متن سيارة استعارها "الحرازي" لإكمال المهمة. وخلال ساعة ونصف وصلت "زينب" وزوجها إلى شقة "أحمد" وزملائه وسط العاصمة عمان، وفي اليوم التالي أوصل احمد "زينب" وزوجها إلى المطار بعد أن رتب لهم حجز التذاكر بشكل مسبق.
اليمنيون: نصف مليون دولار في 288 رحلة
كل أسبوع ، يستقبل مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية عمّان أكثر من 6 رحلات سياحية "إلى 8 رحلات" قادمة من صنعاء على متن طائرات الملكية الأردنية والخطوط الجوية اليمنية. بمعدل 24 رحلة في الشهر، و288 رحلة في السنة. ويتجاوز عدد المسافرين في الرحلات الست أكثر من 1080 مسافر في الأسبوع ، بمعدل 4320 مسافراً في الشهر الواحد.
وطبقاً لسجلات عدد الرحلات الواصلة مطار الملكة علياء ، والقادمة من اليمن خلال الفترة 2009 و 2012 ، فإن عدد المسافرين اليمنيين إلى الأردن كل عام وصل إلى أكثر من 50.000 مسافر (خمسون ألف مسافر في السنة)، تصل نسبة المرضى منهم القاصدين العلاج أكثر من 90 % من إجمالي المسافرين اليمنيين سنوياً.
لكن هذه الأعداد لا تشمل نسبة المسافرين اليمنيين للأردن عبر شركات النقل البري أو حتى المسافرين القادمين للأردن من بلدان مجاورة وهم المغتربين اليمنيين المقيمين في دول الخليج.
مدينة الحسين الطبية التي تحظى بسمعة جيدة | تصوير: شيرين.
لننظر إلى المعلومات الرسمية التي يمكن العثور عليها من العاصمة عمّان، ولعل أهمها تلك التوصيات التي تم عرضها في المؤتمر الأول للأطباء المغتربين الأردنيين الذي عقد في يوليو 2010 ، والتي سيتم نقاشها في المؤتمر ذاته في دورته الثانية التي ستنعقد خلال الأسابيع القادمة. لقد كرس هذا المؤتمر مهامه من أجل تطوير الإستراتيجية الأردنية للسياحة الطبية من أجل "زيادة استقطاب أعداد المرضى العرب واليمنيين في مستشفيات المملكة الأردنية".
تقول تلك التوصيات التي ناقشها المؤتمر الطبي الأردني:"إن المرضى اليمنيين الذين يأتون إلى الأردن بقصد العلاج تتجاوز نسبتهم أكثر من 50% من عدد المرضى القادمين للعلاج في الأردن من 102 دولة عربية وأجنبية، وتتضمن تلك الإستراتيجية القول:"تتجاوز فاتورة علاج المرضى اليمنيين العلاجية مبلغ النصف من فاتورة علاج المرضى البالغة أكثر من مليار دولار سنويا، ولقد شكلت قرابة النصف من حجم عائدات السياحة العلاجية والطبية في الأردن". هذا غير التكاليف المترتبة على المرضى وذويهم خارج المجال الطبي والتي ترفد القطاع السياحي بمبالغ إضافية لا يستهان بها.
لقد أوصت وزارة الصحة الأردنية الأطباء الأردنيين ومسئولو المستشفيات الخاصة "بضرورة منح الاهتمام بحالات المرضى اليمنيين في مستشفيات المملكة الهاشمية"، وجاء في الإستراتيجية التشديد بعبارة على: " ضرورة استقطاب أعداد كثيرة من المرضى اليمنيين للعلاج في الأردن خصوصا في ظل منافسة شديدة من دول عربية شقيقة وأجنبية لاستقطاب هؤلاء المرضى".
وتشير توصيات مؤتمر الأطباء الأردنيين التي بثتها صحيفة الغد الاردنية إلى أن الاهتمام الرسمي الأردني بحالات المرضى اليمنيين طرأ كضرورة ملحة من أجل "استعادة ثقة المرضى اليمنيين بأطباء الأردن" كون معظمهم صار يحمل صورة سلبية نتيجة ارتفاع وتيرة حالات الاستغلال من قبل أطباء ومراكز ومستشفيات بالإضافة إلى وقوع بعض الأخطاء الطبية بحق مرضى يمنيين.
وتفصح الإستراتيجية الأردنية للسياحة العلاجية عن نوع من الاهتمام، الأمر الذي استدعى مثلاً ذكر الفقرة التي تنص التالي:" يجب أن يشكل المرضى الوافدين من اليمن، هدفا رئيسيا للجهود الطبية الأردنية في استقطاب المرضى الوافدين، فالأردن بالنسبة للأشقاء اليمنيين يحظى بالأولوية ضمن الظروف العادية، من حيث القرب الجغرافي نسبيا، وتوافر القدرات الطبية والفنية، واعتدال أجور العلاج".
وطبقاً لتصريحات وزارة الصحة الأردنية المتداولة فأن:" أرباح السياحة الطبية في الأردن والتي يشكل المرضى اليمنيين عمودها الفقري ، وصلت حاليا إلى أكثر من بليون دينار سنويا، وهي تحتاج إلى تعظيم الإيجابيات من جهة، والحد من التجاوزات والسلبيات ومعالجتها حيثما وجدت، وعلى رأسها استغلال المرضى الوافدين من الجمهورية اليمنية".
يبدو الجدير ذكره هنا أن نقابة الأطباء الأردنيين نوهت إلى:"أن السياحة العلاجية في المملكة الأردنية باتت تفقد روادها اليمنيين"، وأفادت النقابة أن المرضى اليمنيين أصبحوا يرون أن "الأطباء الأردنيين يفكرون في الربح فقط"، وطالبت النقابة الطبيب الأردني "بإعادة الثقة إلى مريضه اليمني".
100 منحة طبية أردنية مقابل 50 ألف زائر يمني
في ابريل 2010،كان وزير الصحة الأردني الدكتور نايف الفايز يضع خبرات بلاده الطبية في مباحثات رسمية أثناء استقباله لنظيره اليمني آنذاك الدكتور يحي راصع وزير الصحة الأسبق. وبدا الأخير مسروراً للغاية وهو يعبر عن مدى تقديره لنظيره الأردني الذي أعلن عن زيادة المنح الطبية الأردنية المخصصة للمرضى اليمنيين في المستشفيات الحكومية من 70 منحة إلى 100 منحة علاجية.
وبنوع من الفخر، كان الوزير راصع يؤكد يومها بالقول:" هناك 50.000 خمسون ألف يمني يزورون الأردن سنوياً لغرض العلاج ، وعددهم سيزداد خلال الفترة المقبلة". وفي أعقاب ذلك كان الأسبوع الطبي الأردني اليمني يوشك على الانطلاق، حتى أبدت العديد من المستشفيات الخاصة اليمنية رغبتها في إبرام اتفاقيات تعاون صحي وتوأمة مع مستشفى الأمير حمزة في عمّان.
قـد يبدو هذا الأمر جيداً فيما يخص انتعاش الاستثمارات الصحية الأردنية وتعزيز عائدات السياحة الطبية لدى الأردنيين ، في حين أنه لا يُـعـد انجازاً صحياً كي يستفيد منه المرضى اليمنيين ، ولا يخول منح امتيازاً خدمياً لمرضى البلد الذي صارت أوجاعه مصدر رفد للسياحة الأردنية. خصوصا أن الغالبية العظمى من المرضى اليمنيين يقصدون الأردن للعلاج على نفقتهم الخاصة ، وهذا يعني أن 100 مريض يمني فقط (من أصل 50 ألف يمني) يستفيد من تلك المنح العلاجية بمستشفيات الأردن.انه فارق كبير وحسب.
* القضية من وجهة نظر صحفي أردني
الصحفي الاردني عبدالله اليماني | الصورة: العرب اليوم
كان الصحافي الأردني الزميل عبد الله اليماني أول من أثار قضية استغلال المرضى اليمنيين القادمين للعلاج، في الصحافة الأردنية، باعتبارها قضية هامة تسيء لسمعة بلاده.
يقول الزميل عبدالله اليماني في مقالته المنشورة في صحيفة العرب اليوم الاردنية:" لقد وصل الأمر لدى السفير اليمني في عمّان حدا لا يطاق, فاتصل بي واخبرني عن حجز جثث ومنع سفر مواطنين وحجز جوازاتهم وإجبارهم على التسول في الأردن, من اجل دفع ما ترتب عليهم من باقي فواتير لقاء علاج تلقوه فيها".
ويضيف اليماني قائلاً: "المجتمع اليمني يختلف عن أية مجتمعات عربية تجمعه مجالس القات وفيها يتحدث كل غائب عن رحلته والمعاملة التي وجدها, فالمريض يتحدث عما صادفه في رحلة العلاج فإذا كانت المعاملة جيدة تحدث عنها وإذا كانت سيئة تحدث عنها, وحديثه مصدق لدى الجميع ومن هنا تنتشر السمعة السيئة عن الطب في الأردن".
ويقول اليماني: "تخيل 8 رحلات طيران تأتي من اليمن أسبوعيا, محملة بالمرضى والمرافقين, بمعنى 90% من اجل العلاج.لا يوجد مثل هذا العدد من الرحلات ما بين الأردن وكل من ليبيا والسودان ومن هنا يشكل المرضى اليمنيون أكثر من 52% من نسبة المرضى العرب".
ويكشف الصحفي الاردني عن أمر هام بمقالته قائلاً:"هناك عمليات نصب وسمسرة واحتيال على المرضى, تبدأ من السائق في المطار الذي يبيعهم إلى الأطباء وأصحاب الشقق والمستشفيات والصيدليات, إلى الممرضين الذين يستدعون الأطباء مقابل عمولة".
السفارة اليمنية تتحمل جزء من المشكلة
الزميلة شيرين | تصوير: فرانك فولويل.
تقول الصحفية الأردنية الزميلة شيرين مازن: "بخصوص مشاكل المرضى اليمنيين فهم كغيرهم من العرب حيث أن بعض إدارات المستشفيات تقوم برفع أسعار العلاج عليهم ، لكن هناك من يقول أن المشكلة في الأساس يمنية ، فالسفارة اليمنية أيضا تتحمل جزء من المشكلة، وربما ينبغي على كادر السفارة العمل بما يخدم المرضى ويجنبهم الوقوع في المشكلات، وفي ظروف استثنائية للتعامل مع المرضى اليمنيين ومتابعة إجراءات دخولهم للمستشفيات وتلقي العلاج ".
وتضيف شيرين بالقول: "ينبغي على السفارة متابعتهم منذ دخولهم الأراضي الأردنية وحتى مغادرتها ولا يضر إذا أوضحوا لهم مستويات أسعار العلاج بالأردن وتابعو إدخال مواطنيهم للمستشفيات المناسبة".
حالات الاستغلال مستمرة
هاشم خريسات | الصورة: موقع العرب اليوم.
يسرد الصحفي والكاتب الأردني هاشم خريسات شيئا من ما في جعبته عن هذا الامر،ويقول خريسات في أحد تناولاته الصحفية في مقالته المنشورة في العرب اليوم بالقول:" حدثني سعادة السفير اليمني في عمان عن قضية لا تزال عالقة حتى الآن, بين مواطنين يمنيين واحد المستشفيات الخاصة, بعد أن توفي أحد ذويهم اثر عملية جراحية أجريت له في "الوقت الضائع" حيث كان يعاني من حالة انتشار واسعة للسرطان في مختلف أرجاء جسده, وان المستشفى المعني الذي نحجم عن ذكر اسمه, قام بحجز الجثة إلى أن يتم دفع مبلغ يصل إلى أكثر من عشرين ألف دولار, وهذا ما لم يكن في حسبان ذويه من الأشقاء اليمنيين, وليس في استطاعتهم بأي حال من الأحوال تدبير مثل هذا المبلغ المرتفع, ولم تنفع جميع المحاولات لمعالجة هذه المشكلة حتى الآن, مما يتطلب تدخل وزارة الصحة وجمعية أصحاب المستشفيات الخاصة وغيرها, للتوصل إلى تسوية مقبولة في هذا الشأن, ونحن على استعداد لإبلاغ اسم هذا المستشفى الأردني الخاص لأي جهة تطلبها.. فالرحمة والإنسانية هي الأساس في مهنة الطب قبل أي شيء تجاري آخر.
ويقول خريسات بوضوح:" تبرز معاناة المرضى من ارتفاع التكاليف إلى مستويات غير معقولة, ولعل ابلغ الدلائل على ذلك أن المعالجة جراء حادث سير انتهت إلى الوفاة بلغ 224 ألف دينار. وحالة ولادة قيصرية لثلاث توائم أدت إلى وفاتهم أيضا, بلغت نحو 24 ألف دينار في أيام معدودة, وفقا لمصادر رسمية لسفارة الدولة التي قدموا منها".
رغم الأزمة: 20 ألف يمني في عمان
بالرغم من الاضطرابات والأزمة السياسية والاقتصادية التي عصفت باليمن خلال العام الماضي وحتى اليوم ، إلا أن مرضى اليمن لم يتوقفوا عن السفر إلى عمان، فالسفير اليمني في عمان الدكتور شائع الزنداني  قال أن أن عدد المرضى اليمنيين الذين يزورون الأردن للعام 2011 بلغ  نحو25 ألف مريض يمني. لكن تقرير جمعية المستشفيات الخاصة الأردنية الصادر في ابريل الفائت ، يشير لأقل من ذلك في تفاوت عجيب. حيث يشير التقرير أن الأردن استقبل العام الماضي 2011 في مستشفياته الخاصة 234 ألف مريض من الخارج يحملون جنسيات 102 دولة مقدرا دخل السياحة العلاجية بـ 1.2 مليار دولار.
وفي تصريح بثته الدستور الاردنية قال المدير التنفيذي لجمعية المستشفيات الخاصة الأردنية عبد الله الهنداوي:" ان فلسطين احتلت المرتبة الأولى بحوالي 24 ألف مريض، تلتها اليمن بحوالي 20 ألف مريض ، ثم العراق وليبيا معاً بحوالي 23 ألف مريض ، ثم السودان والسعودية 17 الف مريض ثم تلتها سورية 8 آلاف ومصر 7 الاف والبحرين الفان وأمريكا الف مريض والكويت 800 وتوزعت الأعداد الأخرى على بقية الجنسيات".
ما يمكن ملاحظته في تقرير جمعية المستشفيات الأردنية الخاصة ،هذا العام ، يأتي مناقضاً لما يورده الجانب اليمني والاردني، الذان أشارا الى أن مرضى اليمن في الاردن يمثلان قرابة 50% من اجمالي مرضى العالم الوافدين للاردن.
وما يؤكد صحة هذا أن التقارير السابقة لجمعية المستشفيات الخاصة الأردنية، لا تشمل المرضى اليمنيين في المستشفيات الحكومية ، فضلا عن ان جمعية مستشفيات القطاع الخاص الاردني أوردت في تقريرها العام قبل الفائت أن اليمن كانت في المرتبة الرابعة من حيث عدد المرضى القاصدين عمان عام 2010 وقد ارتفعت للمرتبة الثالثة ثم الثانية في 2011، وهذا يعني ارتفاعاً ملحوظاً في عدد مرضاها الواصلين الأردن عاماً بعد آخر ، لاسيما أنها صنفت بمرتبة بعد دولتين تم جمع مرضاها وهما السودان والسعودية ، ولو تم فصل نسبة المرضى في كل من السعودية والسودان كلاً على حدة ، ستكون اليمن على الأرجح في المرتبة الثانية دون تجاوز.

الطبيب بازل:
بعض العمليات والفحوصات المقررة ليس لها داعي

الدكتور محمد بازل (وهو يمني مقيم بالأردن وحاصل على البورد العربي من عمان) يعمل طبيب العيون المتخصص في مستشفى الملك المؤسس عبد الله الجامعي في مدينة إربد الأردنية ، تحدث عن أسباب استغلال المرضى اليمنيين في مستشفيات الأردن، وقدم نصيحة هامة للمرضى القاصدين الأردن للعلاج .. إليكم مختصر:
الدكتور محمد بازل
* من أين تبدأ المشكلة في ما يحدث للمرضى اليمنيين في الأردن؟
- المشكلة تبدأ في أن الكثير من إخواننا اليمنيين يأتون للأردن للعلاج من حالات مرضية صغيرة وكبيرة. فبالنسبة لأولئك الذين يأتون من اجل الأمراض الصغرى فإنهم قد سبق تشخيصهم باليمن وإمكانية علاجهم بكل بساطة باليمن متوفرة ولكنهم يأبون إلا أن يأتوا إلى هنا ويضطرون لإعادة كل الفحوصات والأشعة التي تم إجراءها رغم أنها قد تكون حديثة ودقيقة. ولكن رغبة الأطباء الأردنيين هنا بالتأكد وعدم ثقتهم بالمختبرات اليمنية بالإضافة إلى العامل الأهم وهو الفائدة المادية التي تعود للطبيب والمستشفى في الأردن من إعادة كل الفحوصات.
* لكن كثيرين يأتون هنا نتيجة عجز الأطباء اليمنيين في تشخيصهم؟
- الذين يأتون من اجل حالات كبرى فجزء منهم نعذره لعدم إمكانية العلاج في اليمن او نتيجة عدم الثقة في تشخيص الأطباء في اليمن ولكن في الحقيقة اغلب المرضى الذين قابلتهم كان قد تم تشخيصهم في اليمن بشكل سليم، واتوا الأردن من اجل التأكد من التشخيص أو إجراء العمليات الجراحية.
* إذاً الجميع يأتي هنا نتيجة إخفاق يمني .. لو تحدثنا عن ما يواجهه اليمنيين من مشاكل في الأردن أثناء تواجدهم للعلاج؟ كيف يمكن للمرضى تفاديها مثلاً؟
- هناك نقطة هامة أود الإشارة إليها وهي بمثابة نصيحة لكل المرضى اليمنيين الذين يأتون إلى الأردن للعلاج وهي أن يذهبوا إلى المستشفيات ولا يذهبوا إلى العيادات الخاصة لان الأطباء في العيادات الخاصة أولا أسعارهم أغلى بشكل كبير بالإضافة إلى أنهم عندما يقررون إجراء عمليات بأسعار باهظة جدا مقارنة بالمستشفيات لأنهم يستغلون المرضى بشكل سيء في العيادات الخاصة ومن الممكن جدا أن يقرروا إجراء عمليات ليس لها داعي أصلا من اجل المال كما حصل مع أحد الأصدقاء اليمنيين.
* حدثنا عن قصته، ما الذي حدث لصديقك؟
- نعم ، حدث لصديقي وأسمه محمد سلطان القدسي ما حدث لكثيرين، قال له احد الأطباء بأحد العيادات الخاصة في عمان بأن عليه ضرورة إجراء عملية جراحية تطال جزء من عموده الفقري وكلفتها ما يقارب 10.000 عشرة الألف دولار. كان المبلغ كبيراً عليه فأتصل بي وأخبرني بالأمر.وقد قمت باستشارة احد الاستشاريين في مستشفى الملك عبد الله الجامعي في مدينة إربد ، وهو المستشفى الذي اعمل فيه. وقرر الطبيب الاستشاري انه لا يوجد أية داعي لإجراء هذه العملية بتاتا. فتخيل مقدار النصب الذي من الممكن أن يتعرض له المرضى اليمنيين إذا لم يكونوا حذرين في استشارة الآخرين وهم كثر.
* وماذا إذا عن المرضى الذين يتعين عليهم البقاء لفترة علاج طويلة؟
- على المرضى الذين تطول فترة إقامتهم في الأردن أن يستأجروا شقق مفروشة ولا يتوجهوا لاستئجار شقق فندقية لغلاء أسعارها مما يزيد الكلفة على المريض ومرافقيه.
* كطبيب يمني في مستشفى أردني ، هل تجد بالأمر أزمة ثقة بالطبيب اليمني؟
- هذا صحيح .. أجد أن الثقة باتت معدومة بالأطباء اليمنيين. لكن توجد كوادر كثيرة جيدة في اليمن. ولا داعي لسفر الكثيرين من المرضى. لان في ذلك خروج للعملة الصعبة من البلاد وبعضهم عندما يعي تكلفة علاج حالته في اليمن ، يرفض ويفضل أن يسافر إلى الخارج مع العلم انه سوف يخسر 3 أضعاف التكلفة في اليمن مع إمكانية تعرضه للنصب هنا في الأردن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشر هذا التحقيق على حلقات في صحيفة الأولى اليومية الصادرة في صنعاء في يونيو 2012.

هناك تعليق واحد: