التسميات

17 أكتوبر 2012

جـدران صنعاء تـتـعـقب المختـفـين قسريـاً


جدارية المخفي قسراً سلطان القرشي في صنعاء. تصوير: سبيع
* محمد الحكيمي
بمقدور الجدران واللون إحياء قضايا الناس المسكوت عنها في المجتمع. وهذا بالضبط ما قاد الفنان والرسام اليمني الشاب مراد سبيع، لإطلاق مبادرته الفنية الثانية التي اسماها "الجدران تتذكر وجودهم"، وهي حملة إحياء قضية المخفيين قسراً في اليمن. والذين يقدر عددهم بالمئات من ناشطين وسياسيين وعسكريين تم إخفائهم قسراً من قبل أجهزة الأمن إبان فترة حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.


وشرع الفنان مراد سبيع مطلع الشهر الفائت بإطلاق مبادرته هذه، من خلال رسم وجوه المخفيين قسراً على جدران جسر "مذبح" في العاصمة صنعاء، مع كتابة أسمائهم وتاريخ اختفاءهم باللغتين الإنجليزية و العربية.
وما أن انتهى سبيع للتو من تنفيذ حملته الفنية الأولى التي اسماها "لون جدار شارعك"، وشاركه عشرات الشباب والشابات الذين انهمكوا منذ 15 مارس الفائت، على رسم لوحات فنية على جدران شوارع العاصمة، التي دمرتها المواجهات بين القوات الموالية لنظام "صالح" وقوات الجيش المنشق والمؤيد للثورة الشعبية.
واليوم تمضي حملة "الجدران تتذكر وجوههم" في أسبوعها الرابع، وقد أنجزت 22 جداريه، أثارت الكثير من أسئلة المارة عن مصير 22 شخصاً من ضحايا الإخفاء القسري، وشهد الأمر ارتفاع الزخم والتفاعل من وسائل الأعلام المحلية والأجنبية والناشطين ومنظمات المجتمع المدني.
الفنان مراد سبيع | تصوير:جميل سبيع
يقول الفنان سبيع، مؤسس المبادرة على صفحته بالفيسبوك: " لقد قدمت حملة (لون جدار شارعك) الجمال والسلام عبر اللون والريشة مكان الدمار المادي والمعنوي، وهذا هو المبدأ الذي انطلقت منه واليوم تتبنى حملة (الجدران تتذكر وجوههم) قضية تناساها المجتمع لعقود، وهي قضية المخفيين قسريا، التي وضعت مجتمعات صغيرة على سرير الإنعاش إلى اللحظة.
ويضيف: " لعلي أساهم ولو بقدر بسيط في إحلال الجمال والسلام في قلوب أسر المخفيين قسريا وعلى جدران الشوارع التي بالتأكيد تفتقدهم هي الأخرى، فالجدران لها ذاكرة رحبة لا متناهية، وهي أوسع من ذاكرة الإنسان الضيقة غالبا".
طرأ اهتمام سبيع، وهو أحد ناشطي ثورة الشباب السلمية، بقضية المخفيين قسرا، باعتبارها قضية إنسانية جرى تغييبها طيلة 3 عقود ونصف عن المجتمع اليمني. فعمل وزملائه على مقاومة النسيان الذي لف قضايا المخفيين عن الذاكرة الشعبية. وشكل الأمر بالنسبة لهم فعلاً ثورياً ينبغي انجازه، كونه أحد أبشع الجرائم التي ارتكبها النظام السابق.
لكن حملة الفنان الشاب، سرعان ما استفزت الآثمين، فتعرضت صور المخفيين قسراً لعملية طمس بالطلاء في الأسبوع الثاني من انطلاق الحملة.
لم ييأس سبيع حينها، بل ازداد حماسه في جعل الجدران تتحدث عن مصير المخفيين ، ودعا الشاب أسر وعائلات المخفيين قسرا لمساندة حملته، عبر التظاهر صباح الخميس من كل أسبوع ورفع صور الضحايا مع يافطات تتساءل عن مصيرهم. كما أطلق مبادرته أيضا على شبكات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" الأمر الذي لاقى اهتمام كثير من الناشطين والمهتمين.
يقول سبيع عن طبيعة هذا الفن الذي مارسه: " أود أن أنوه إلى أن الطريقة التي أتبعها لا تقوم على الرسم بالمعنى الحرفي لأنها تعتمد على قوالب لصور المخفيين قسريا. أقوم بتجهيزها في المنزل وبعد التشذيب والتنسيق أطبقها على الجدران ولكل واحد حقه في اختيار طريقة وتقنيات التعبير المناسبة عن هذه القضية".
ثمة الكثير من القصص المؤلمة بين صور المخفيين قسراً التي تتذكرها جدران صنعاء اليوم، وهي تطارد السجان وتحرض الناس على التحرك والضغط عن السلطات الحالية بالإفصاح عن مصير هؤلاء.
ومن أحد الجدران تطل صورة المخفي قسراً سلطان القرشي، وهو وزير التجارة والتموين في عهد الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي، كان القرشي أحد مؤسسي حزب الطليعة اليساري. ولمجرد ذلك جرى اعتقاله العام 1978من قبل جهاز الاستخبارات في أولى فترات حكم الرئيس "صالح".
بعد اعتقال الوزير القرشي انقطعت أخباره عن أهله. إلى ان ظهرت رسالتان خطيتان أرسلهما القرشي من معتقله إلى عائلته وشكلتا بمثابة إنعاش معنوي بعد شعور مضنن بالفقدان.
هنئ الرجل في رسالته الأولى ابنته "انتصار" في عيد ميلادها شهر مايو 1978وأوصى بتسمية مولودة الجديد اسم "أزال" إن كان ذكرا. ووصف في رسالته الثانية ظروف اعتقاله كنقص الطعام وسوء لباس السجن وحرمانه من مغادرة الزنزانة إلا خمس دقائق يوميا لقضاء الحاجة. وبثت الرسالة الأخيرة التي وجهها القرشي إلى أحد أصدقائه في 16 أكتوبر1978 ، الكثير من الأمل لزوجته وأولاده.
اليوم .. يصف سبيع ورفاقه عملهم بـ"صرخة" مفادها العدالة التي تساندها جدران صنعاء. وهم يأملون أن يتردد صداها في أرجاء الضمير الرسمي للبلاد، وحسب.
...............................
*نشرت هذه المادة في موقع رؤية الاخباري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق