التسميات

15 سبتمبر 2009

الأزمة التالية للبلاد ..!؟

* محمد الحكيمي
كان الجميع متفائلون قبل شهور ، ثم لم يعد ثمة مراهنون الآن على أن المحطة الغازية التي يجري إنجازها ستضيء كل هذا الظلام الجاثم منذ أكثر 48 عاماً .
كل الحكومات اليمنية تقريباً لم تستطع منذ قيام الجمهورية وحتى اليوم العمل كبقية العالم من أجل توفير الخدمات الأساسية التي أضخت في ذمة التأريخ الآن .
الكهرباء مثلاً أثبتت فشل الإدارة اليمنية بامتياز ، وما من حل مجد يملكه وزير الكهرباء ، غير الوعود المطاطة التي لا تنير . وربما كانت اكبر الوزارات فشلاً هي الكهرباء دون تجاوز .

فلم يحدث منذ انقطاعات التيار الكهرباء طيلة أربعة عقود أن يتفاقم الوضع كما هو عليه الآن ، لدرجةِ جعلت المواطنين الأكثر هدوءاً في المناطق الساحلية ساخطين للغاية ، والوعود الحكومية المهدئة لم تعد تجدي نفعاً ، فالأمر بحسب دراسة البنك الدولي الأخيرة يكشف عن أن تكلفة إيصال الكهرباء في اليمن تقدر بنسبة 6.9% من متوسط الدخل القومي للفرد، كما يستغرق 35 يوماً لإنجاز أربعة إجراءات، وذلك مقارنة بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي تقدّر فيه تكلفة إيصال الكهرباء بنسبة 1.3% من متوسط الدخل القومي للفرد، ويستغرق 78.9 يوماً لإنجاز 4.8 إجراء. أكثر ما يمكن اعتباره مؤشرات خطرة هو غلو الشارع اليمني هذه المرة ، وعدم قدرته على التحمل أكثر ، وربما كانت الإحداث الأخيرة التي شهدتها مناطق متفرقة من البلاد قادرة على إيضاح حجم الكارثة التي لم يعد بمقدور الحكومة تفاديها . إلا لو قامت بعمل سحري تجاه أزمة الكهرباء التي لا تستثني أحداً وربما كانت أزمة الكهرباء تخول التوقع بأن تكون أزمة قادرة على تغذية بقية الأزمات في شمال البلد وجنوبه ، كونها تتقاطع ببقة الأزمات وتصلح لان تكون مسوغاً كافياً لإدانة الحكومة التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها . الإخبار طيلة الأسبوعين المنصرمين لم تكن أخبارا جيدة على الإطلاق ، ولعلها كانت تحمل تكهناً لما سيأتي . وربما كان خروج العشرات من المواطنين الغاضبين المحتجين في 8 سبتمبر 2009، على تزايد انقطاع التيار الكهرباء في مطلع هذا الشهر بحي( الشحارية ) بمدينة الحديدة، وهم مسلحين بالهراوات والعصي إلى مكتب طوارئ الكهرباء احتجاجا على تفاقم عمليات انقطاع التيار الكهربائي عن أحياء المدينة ، يشير إلى ردة فعل غير متوقعة من قبل من التزموا الهدوء كثيراً ، فحالات الانطفاء اليومي تتم 7 مرات في اليوم وتستغرق كل عملية إنطفاء أكثر من 3 ساعات متواصلة في مدينة حارة لا يمكن لساكنيها الاستغناء عن أجهزة التكييف .
وجاءت أكبر الدوافع التي جعلت سكان الحديدة يفقدون السيطرة هو اكتشاف الساكنين قرب منازل لمسؤولين ، وقيادات أمنية وعسكرية في الحديدة طبقاً لنيوز يمن " لا تنقطع عنها الكهرباء " كبقية سكان المحافظة. صحيح أن الأمر يتم وفق عمليات تلاعب في حصص الإنطفاءات من حي إلى آخر ، لكن الأكثر استفزازاً أن يجري الحديث الحكومي عن إقرار زيادة في رفع أسعار التعرفة الكهربائية لما هو أكبر مما عليها الآن . و لن يتقبل أحد دفع زيادة لخدمة غير متوفرة أصلا ً. في اليوم ذاته ، شهد استقبال ميناء الحديدة لأكثر من60 طنا من الشمع المستورد ، ولعله من الحري معرفة مستوردي الحلول . لكن لندع صفقات استيراد الشموع والفوانيس الجارية الآن ، فحدث اعتصام المئات من أبناء بيت الفقيه في 8 سبتمبر الجاري ، كان احتجاجا سلمياً يناهض استمرار حملات الانطفاءات.
كان الاعتصام الذي ضم ممثلين من جميع الأحزاب السياسية وأعضاء المجلس المحلي وعقال وشخصيات اجتماعية، ندد بوضع " الكهرباء المتدهور والغير مسبوق في وضعه " .قال المتحدثين فيه " إن شهر رمضان جعل المواطنين بين أمرين : حرارة شديدة في النهار وظلام في الليل ". ولم يتوارى المنتمين للحزب الحاكم بإطلاق احتجاجاتهم ، جاء يتقدمهم نائب رئيس المؤتمر بمديرية بيت الفقيه السيد محمد عبده الذي انتقد الوضع الذي آلت إليه الكهرباء ، أعلن الفقيه أنه سيقدم استقالته في جلسة المجلس المحلي بالمديرية في حال لم يتحسن وضع الكهرباء. وقال الفقية " أن الاستقالة سوف تشمل العضوية في المجلس المحلي والمؤتمر الشعبي العام " .
ربما كان الأمر تطوراً لأن يهدد قيادي في الحزب الحاكم باستقالته بسبب الكهرباء .. !؟ لكن الأكثر جرأة في ذلك الاعتصام الذي أنعقد للمرة الثانية للمطالبة بإصلاح الكهرباء ، كانت الطفلة نسرين عبده (10سنوات ) قالت نسرين " أطالب رئيس الجمهورية أن يصلح خدمة الكهرباء بحكم مسؤولياته وإلا فليعلن عجزه وليرحل فغيره كثير " . بالنظر لفعل الاحتجاجات التي حدثت منذ مطلع سبتمبر الجاري في كل من : الحديدة ولحج وتعز وصنعاء ، سنجد أن يوم 8 سبتمبر كان يوماً استثنائياً للاحتجاج ، ارتفعت فيه نبرة الأصوات الرافضة للاستهتار الرسمي بحقوق المواطنين ، ومثلما حدث في الحديدة ، حدث في مأرب لكن بفارق محفوف بقوة أكبر ، كان ( ملتقى قبائل مأرب ) ينعقد في صباح 8 سبتمبر ذاته أيضاً، وبالفعل الأكثر قدرة على إدخال أزمة الكهرباء في أزمة جديدة من شأنها التسبب بحرج بالغ للدولة . كان الملتقى من أكبر مظاهر الاحتجاجات القادرة على التهديد ، والتي تراهن على ثروة المحافظة المحتجة ، التي تؤمل عليها وزارة الكهرباء والحكومة على حد سواء ، للنجاة من أزمة التيار المتقطع .
فالمحطة الغازية التي تراها الوزارة محطة الخلاص من العجز ، لا تحتمل أية تخريب ، لكن التهديد الذي احتواه بيان المعتصمين بالملتقى ، يشير إلى تلميح غير مريح للحكومة . فهو يحذر الحكومة من أي تجاهل للوعود التي منحوها لمحافظة مأرب خاصة فيما يخص ربطها بالطاقة الغازية . قال البيان الصادر عن الملتقى " أن مأرب لن تسكت عن تمييع يطال حقها أو التهاون في الوصول إلى تحقيقه بكل الطرق السلمية ". وحذر من التوجهات التي وصفها " بنيات في تغييب محافظة مأرب في الوقت الراهن من عمليات الربط العام بكهرباء الطاقة الغازية .
أكثر الرسائل التي يفترض الانتباه لها في بيان الملتقى هو ما جاء بالقول : " أنه في حالة تجاهلت السلطات هذه المطالب فإن موقف الملتقى لن يكتفي بالمطالبة والتنديد بتلك الخطوة بل سيلجأ إلى جانب عملي ، وسيرغم الجهات الرسمية على مساواة أهل مأرب بأهل صنعاء في توقيت واحد للإستفاده من مشروع كهرباء الطاقة الغازية " .
وربما كان في الأمر برمته رسالة ضمنية لرفض المواطنة غير المتساوية التي لا يمكن السكوت عنها . الأمر الذي يقود إلى أن الحكومة قد تواجه أزمة حقيقية تبدأ من الكهرباء وصولاً إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير . فمن الواضح جداً أن المحتجين أرادو تنويه الجهات الرسمية ، وتحديداً وزرة الكهرباء ، عدم جرهم لخطوات سلبية في هذا الجانب . فبقية الأزمات تقريباً وخصوصاً في الجنوب بدأت بالمطالبة بحقوق ، ومطالبة بأن تقوم الدولة بواجبها ، ثم تطورت إلى " الحراك الجنوبي " وإلى المطالبة بالانفصال . وتبدو مطالبة ملتقى مأرب من كافة الجهات الرسمية وهيئة مكافحة الفساد بفتح ملف الكهرباء الغازية وتقديم كل من ثبت تورطه بالتقصير أو الخيانة التي أدت إلى تأخير موعد انطلاق الكهرباء أكثر من سبع مرات . في إطار الإشارة لفساد يجري التستر عليه ، أمام العيان . آخر ما طالب به المحتجين بملتقى مأرب كان بحسب البيان " سرعة تقديم وزير الكهرباء استقالته في أسرع وقت " وربما تحقق ذلك الأمر ، كأسرع تصرف تقوم به الحكومة لحفظ ماء الوجه ، أمام الوعود المظللة ، والتي أصبحت محلا للسخرية من كل فئات الشعب . على الأرجح .. سيدفع وزير الكهرباء ثمن ذلك كله ، لكونه الأقرب ، والأكثر ترشحاً للعب دور كبش فداء هذه الأزمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق